مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]

صفحة 140 - الجزء 2

  والدليل على صدق قولنا كتاب الله ø، حيث قال في ملكة سبأ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣}⁣[النمل].

  فنقول لكم: هل أوتيت شمسا وقمرا ونجوما، وسماءا وأرضا، وجنة ونارا؟ وهل أوتيت فرجا كفرج الرجل، ولحية كلحية الرجل؟ وهل أوتيت ولدا من غير فحل؟ فكل هذه الأشياء لم تؤتها بإجماع الخلق كلهم، وقد قال الله ø فيها:

  {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣}، وهذه أشياء كثيرة لم تؤتها، وكفى بهذا بيان وحجة قاطعة لدعواكم!

  وكذلك قوله ø: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦، الزمر: ٦٢]، إنما عنى به مما خَلَق خاصة، لم يعن بذلك: الشرك ولا الكفر، ولا الإفك ولا سائر المعاصي التي خلقها العباد، وهو البريء من ذلك ø.

  والدليل لنا على ذلك أيضا، قوله ø: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ٣٠}⁣[آل عمران]، فأخبر أن له نفسا ø، ثم قال بعد هذا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}⁣[آل عمران: ١٨٥، الأنبياء: ٣٥، العنكبوت: ٥٧]. فأجمل هاهنا أن كل نفس ذائقة الموت، ولم يستثن نفسا بعينها. فلو وجب ما قلتم في خلق الأشياء، لوجب في النفس هاهنا مثل ما ادعيتم، جل الله وتعالى عما تقولون علوا كبيرة!

  وقوله ø: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ٢٤ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}⁣[الأحقاف]، ثم قال: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}⁣[الأحقاف: ٢٥]. فدل ذلك إنما خص الريح أنها دمرت بعض الأشياء لا كلها، بعدما قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}، يعني ø: مما أُرسلت عليه خاصة لا عامة.