مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]

صفحة 141 - الجزء 2

  ألا ترى أنها لم تدمّر مساكنهم، وأنها لم تدمر السماء ولا الأرض ولا الجبال، ولا النبي هوداً ~، ولا من كان معه من المؤمنين، وأن الآية خاصة دون عامة، وإن الآية توجب عليكم في قول الله ø: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦، الزمر: ٦٢]، أنه يعني ø: مما خلق هو وصنع وابتدع، لا ظلم الظالمين ولا جور الجائرين، فجعل ذلك خصوصاً في خلقه المنفرد به، لا عموماً لما خلق غيره، وعذّب عليه فعله. فهذا أكبر دليل، وأوضح حجة، وأقطع لكلّ مفترٍ.

  وقوله ø: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢١}⁣[فصلت]، فقالوا: {أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، أراد الله ø بهذا خاصًّا دون عَامٍّ، لأنه لم يُنطق الجبال ولا الأشجار ولا البهائم، ولا كثيراً مما خلق، وإنما هذا خصوص دون عموم، مثل قوله ø: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[الرعد: ١٦، الزمر: ٦٢]. فالكفر ليس هو غير ما ذكرنا لك، من حركات بني آدم واعتقاد قلوبهم، لا شيء غير ذلك، ولا يجده أبداً إلا أنت وإخوانك المجبرة، لأنك سميت: كفراً مخلوقاً، لا حجة لك عليه ولا برهان، ولا حجة من كتاب الله جل ثناؤه، إذ لا يُدرك ببصر، ولا يُحدّ بلمس، ولا يُحاط له بقطر، حتى يُعرَف ويميز خلق الله ø، من خلق بني آدم.

  فقد جاءك في هذا من البيان والحجة من كتاب الله ø، ما في أقلّ قليل منه أكفي الكفاية، وجاءك في لغة العرب ما فيه البيان. قال الشاعر يمدح رجلاً: