مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]

صفحة 142 - الجزء 2

  فلو كان للشكر حدٌّ يُحد ... إذا ما تأمَّلهُ الناظر

  لصوَّرتُه لك حتي تراهُ ... فتعلَمَ أني امرُؤٌ شاكر

  فقد علمت العرب أن ليس للشكر حدّ يُدرك، ولا صورة تنال، حتى يعرف الشكر بتلك الصورة. فلا حدّ له يوقف عليه غير حركات بني آدم، من شكر اللسان، والمكافأة بالفعل، الذي هو حركة أيضا، ولا يعرف للشكر معنى آخر غير ذلك، إلا اعتقاد القلب، وكذلك الكفر مثله سواء وجميع الأفعال، ولو كان الشكر الذي عنى الشاعر أنه يريد أن يشكر به مَلِكاً من ملوك الظالمين المعاندين الله ø هو مخلوق، لكان الله ø هو الشاكر للملوك المشركين، والكافرين المعاندين له، بعد قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ٩٨}⁣[البقرة]، والعدوّ لا يشكر عدوّه في سبب من جميع الأسباب، ولا يشكره على لسان غيره، ولا يصحّ هذا في المعقول أبداً، وكفى بهذا حجة!

  إلا أن تقول أنت يا عبد الله بن يزيد البغدادي وإخوانك المجبرة: إن جميع ما سمينا من الشرك والكفر، والفواحش والقتل، والزنا والخنا واللواط، والكذب والإفك، وجميع الجور والظلم، هو شيء مخلوق موجود، إلا أنه لا تراه العيون، ولا تدركه الحواس، ولا تناله الجوارح، ولا تلمسه الأيدي، ولا تحيط به الأقطار.

  فنقول لك عند ذلك: فإنه يلزمك في هذا القول فسادان عظيمان، وكفران اثنان، في كليهما بطلان دعواك، وبيان كذبك، ونقض فريتك وفضيحتُك: