[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]
  أما أحدهما: فيلزمك أنك قد أثبتّ شيئاً لا تدركه الأبصار، ولا تلمسه الأيدي، ولا تقع عليه الخواطر ولا الأماكن، ولا يُدري ما كنهه، فيبطل عليك قولك بالتوحيد، لأنك قد ادعيت موجوداً ثانيا، فيه صفة معبودك الذي وحّدته، فزعمت أن هذا الأخر نظير له وندّ، لا تدركه الحواس، ولا تناله الخواطر، ولا تحويه الأماكن، فتفسد عليك دعواك في التوحيد، وتكفر بهذا القول الذي وصفت به أفعال العباد.
  ويلزمك أنك قد وحّدت شيئاً آخر غير الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]. وكفى بهذا جهلاً وعمى، وفضيحة على من زعم أنه يقول بالتوحيد!
  وقد أعلمنا أنه لا قوام لقائل بتوحيد الله ø، ولا ينفع ذلك دون القول بالعدل، لأنه من زعم أن الله ø فعل شيئاً مما كره، أو خلق شيئا مما عنه نهي، أو دخل فيما عاب، أو عاقب على فعل نفسه، أو غضب من إرادته، أو عنّف أحداً على خلقه، كان هذا غاية التشبيه، وأنه لم يفرق بينه وبين خلقه.
  ومن شبّهه بالجائرين والجاهلين والعابثين، والجورة المتعنتين والمفسدين، لم ينفعه ما ادعا من التوحيد، ولم يستحق اسم موحّد، لما قد قرفه به ø من الجبر والتجوير، والتشبيه بالظالمين، والتسوية بينه وبين الشيطان الرجيم، في إغوائه للخلق، وإرادة المعاصي منهم، وحملهم على ما يهلكهم ويورثهم الخلود في النار أبد الأبيد.