مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة هل كلف الله العباد أن يعلموا أنهم مخلوقون]

صفحة 144 - الجزء 2

  سبحان الله العظيم رب العرش الكريم، العادل الرحيم عما قلتم، وبه دنتم، وفيه ناظرتم، وبه إلينا كتبتم، وعنه سألتم، وفيه نعيتم! فهذا جوابنا لكم في نقض جميع ما قصدتم به من الفرية على رب العالمين، فصرتم له خصماء، ولحزبه أعداء، وعن طاعته عُنَدَاء، ولن خالفه أولياء. فالحمد لله الذي حجب الحق بشواهد العدل، وأوضح القرآن، وشافي البيان عن كيد الكائدين، ومعاندة المعاندين، وإلحاد الملحدين.

  وأما ما ذكرت من يوسف النبي صلى الله عليه، فإن يوسف لم يعص الله ø، ولم يهمّ له بمعصية، على ما ذهبتم إليه، ولو كان همّ له بمعَصية، لم يقل فيه من جميل الثناء والمدح والشكر ما لا يزال يقرأ أبداً، حتى تزول الدنيا، وتزلف الآخرة، من قوله ø: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ٢٤}⁣[يوسف]، وليس يكون المخلَص من همّ بفعل فاحشة.

  والصرف من الله تبارك وتعالى له أنه برّأه من الظلم، وحَمِدَه على ما اختار، ولم يجبره على ترك المرأة جبراً، فلا يجب له حمد ولا أجر، وليس الله جل ثناؤه يفعل فعل العباد من الطاعة ولا من المعصية، ولا يجوز ذلك، ولا يكون أبدا، ولا كان فيما مضى، لما في ذلك من فساد الحكمة، ووجوب القهر والختم.

  وقد احتججنا عليك في ذلك بما جزء منه يكفي مَن عقل وأنصف، و {خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ١٠٣ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ١٠٤ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ