مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة فيمن ذكر الله أنهم لا يعقلون ولا يعلمون]

صفحة 147 - الجزء 2

  وكذلك حكمه في الأولين والآخرين، أنه أمر تخيبراً، ونهي تحذيراً، فلم يُطع كرهاً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يقسر القلوب على طاعته قسراً، ولم يحملها على طاعته جبراً. الواجب عليهم أن يُنصتوا للرسل وما جاءت به، فينظروا بعقولهم في قولهم، فيأخذوا الحسن، ويتركوا القبيح، وذلك قوله ø: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٨}⁣[الزمر].

  فلم يجز في حكمة الحكيم أن يحمد أحداً من الخلق على فعلِه وخلقِه هو، وإنما حمدهم وأثنى عليهم بفعلهم، ووجبت لهم الهداية منه أن سمّاهم: مهتدين، أي: حكم لهم بالهدي وسماهم به، لا أنه جبرهم عليه جبراً!

  فأي أجر لمجبور؟ وأي حمد لمُكرَه؟ كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}⁣[السجدة: ٢٤]، وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}⁣[القصص: ٤١]. كل ذلك جَعلُ حكم وتسمية، لا جعلُ قهر وجبر. ولو كان كذلك لم يكن للأئمة الذين يهدون بأمره ثواب ولا حمد لأنه أكرههم، ولا يكون على الأئمة الذين يدعون إلى النار عقاب ولا ذمّ، لأنه أكرههم أيضاً، وجعلهم دعاة إلى النار، وقد قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٤}⁣[يونس].

  وأما قولك في التفكّر، فلعمري لقد قال الله ø: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}⁣[الروم: ٨]، والهداية من الله ø لا تكون ولا تجب لكافر مُعرض عنه، يعبد غيره ويأكل رزقه، ويجعل له الصواحب والأولاد، والشركاء والأضداد، فيجبره على الطاعة، ويُميل قلبه إلى الهدي، من قبل أن يكون هو الراغب في الهدى، والمُقبل إلى الطاعة، لأن مثل