مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة فيمن ذكر الله أنهم لا يعقلون ولا يعلمون]

صفحة 148 - الجزء 2

  ذلك مثل رجل وقع في بئر، فأشرف عليه الناس فقالوا له: أخرج. فقال لهم: لست أخرج حتى تدلوا إليّ حبلاً اخرج به، وإلا فلست أخرج أبداً.

  وكذلك الكافر عندكم، وفي قولكم لا يخرج من الكفر أبداً حتى يجبره الله على الهدى، ويمدّه بالقسر والإكراه لقلبه، وهو في غاية الكفر، وغاية الضلالة. والإعراض عن خالقه، وهو غير مستوجب من الله ø للرشد، ولا مستحقّ للهدى، ولا المعونة ولا الرحمة. وقد قال الله ø: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ٥٦}⁣[الأعراف]، ولم يقل: إنها قريب من المشركين.

  وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}⁣[الأعراف: ١٥٦] ولم يقل: فسأكتبها للذين يشركون.

  وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}⁣[النازعات].

  فإن قلتم أيها المجيرة: إن الكافر لا يقدر أن يخرج من الكفر حتى يكون الله جل ثناؤه هو المخرج له من الكفر بالجبر والقسر، ويجعل في قلبه الهدي جبراً وإكراهاً، لزم في المعقول أنه لا حمد لمكرَه مجبور، ولا لوم على عاص مدحور، ولم يكن لإرسال الرسل معنى، ولا لإنزال الكتب بأمر ونهي، وتحذير وتخويف، وترغيب وحضّ وزجر، فلا معنى لذلك!

  ولكان من حجج الأمم على رسلها أن تقولا لها وهي حجة قاطعة تفلج بها الرسل: أيها الرسل إن أمرنا ليس في أيدينا منه شيء، قليل ولا كثير، ولا نقدر من أنفسنا على طاعة ولا معصية، ولا نملك لأنفسنا هدى ولا غيًّا، فاذهبوا إلى ربكم فاسألوه أن يخلّي سبيلنا، ويجعل لنا طريقاً، حتى نسلم ونتبعكم. فإن ليس لقوله: