مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة فيمن ذكر الله أنهم لا يعقلون ولا يعلمون]

صفحة 153 - الجزء 2

  وقوله: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ٣٩}⁣[النور]. هل هذا القول كله الذي تَراهُ يُلزم التشبيه على الحقيقة لا تأويل له، أم هو على مجاز الكلام، قولٌ عربيّ يجب تأويله، وإلا لزم التشبيه؟!

  فإن قلت: إنه على الحقيقة لا تأويل له، لزمك التشبيه لخالقك، وخرجت مما ادّعيت من التوحيد الذي قلت به، وفلجك المشبهة.

  وإن زعمت أنه على مجاز الكلام، له تأويل في اللغة العربية، إذ لا يسعك غير ذلك، وإلا شبهت وكفرت.

  قلنا لك: فكذلك يلزمك أن للآيات المتشابهات اللاتي تعلّقت بهن تأويلاً في العدل على الحقيقة، والخروج من الجبر، وأنها مجاز كلام، لم تعقله ولا إخوانك المجبرة، ولم تهتدوا إلى القول فيه على الله جل ثناؤه بالعدل.

  فإن أنكرت التأويل حميّةً وتعزُّزاً، أنكرتْ عليك المشبّهة تأويلك في التوحيد، ولزمك مثل ما تدّعي، ولا مخرج لك من هذا الباب بحيلة محتال، فكيفما قلت نجدّك الأسفل، وحجتك الفاسدة، والحمد لله رب العالمين.

  وأما قولك في تكليف العباد، فالتكليف لازم لكلّ بالغ وبالغة من ولد آدم، ممن صح عقله وبدنه، وقد قسم الله ø عليهم بفضله النعم التي تفضّل بها عليهم فعلى قدر صحة العقول والجوارح والحواس يلزم التكليف، ومن زال عنه شيء من ذلك، كان التكليف على قدره، ومن زال عقله سقط التكليف كله.

  والعجب كل العجب منك لِمَ سمّيته: تكليفاً، وإنما أصل قولك أنهم جُبروا جبراً، وخُلقت أفعالهم، والمجبور والمخلوقُ فعلِه ليس هو مثل المكلّف، الذي إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وقد أعددت التفضيل لبعضهم على بعض، وأكثرت