مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة فيمن ذكر الله أنهم لا يعقلون ولا يعلمون]

صفحة 155 - الجزء 2

  وصنعه وإرادته، وهذا خروج من الحكمة، ويجب أنه عذّب على ذلك، بعدما قال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ٣٩ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ٤٠ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ٤١}⁣[النجم].

  ثم نقول لك: وأخبرنا لِمَ قال: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}، مستعظماً لها ومستقبحاً ومستشنعاً، وهو الذي خلقها وأرادها وصنعها! أهكذا يكون الحكيم الذي لا يظلم؟!

  وإن قلت: لا أقول ذلك، رجعتَ عن قولك وصرت إلى قولنا.

  ثم نقول لك: ما الفرق بين قوله في عيسى #: إنه {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}⁣[النساء: ١٧١]، وذكر في كتابه أنه كلمة له، خلقه وصنعه وأراده، والدليل على أن عيسي كلمته، قوله ø: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ}⁣[آل عمران: ٤٥]، وقال أيضا: {عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ}⁣[النساء: ١٧١]

  فنقول لك: ما الفرق بين هذه الكلمة المعنيّ بها عيسى #، وبين الكلمة الكبيرة عند الله ø التي خرجت من أفواه الكفار، الذين {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}⁣[يونس: ٦٨]. فإن ادّعيت فرقاً بينهما غير أن الله - في زعمك - هو الذي خلقهما جميعا وصنعهما، وقدرهما وأرادهما، لم تقدر على ذلك بحيلةِ محتال، ولا بوجه من الوجوه، لَّما زعمت أن الله ø هو الذي خلق الكلمتين، وأراد المعنيين.

  فيلزمك عند انقطاعك عن الفرق بين الكلمتين، أن القوم الكفار الذين قالوا {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} إنما غضب الله عليهم وعاب فعلهم، وحكى لنبيه محمد صلى الله عليه عظيم كفرهم، وأوجب عليهم فيه العذاب الأليم المقيم، وأنه لم يكن في خلقه لعيسى وجعْله إياه كلمةً، غضبٌ منه على أحد، ولا عيب ولا استعظام، ولا