[شبهة فيمن ذكر الله أنهم لا يعقلون ولا يعلمون]
  وعذاب مقيم، فكلاهما - زعمت - كلمة لا فرق بينهما، خلقها الله ø وصنعها - على زعمك - فعذّب عباده على واحدة وغضب منها، ولم يغضب من الأخرى ولم يعذب عليها، وهما سواء في الخلقة والصنعة والإرادة.
  فأين العدل والحكمة في هذا الباب؟! بيّنْه لنا وميّزه إن كنت من الصادقين؟! أو أرنا الفرق بينهما إن كنت من المهتدين! ولا تجد فرقاً بين ذلك أبداً، وهذه قاطعة لحجتك، ومدحضة لقولك، إلا أن ترجع فتزعم أن الكلمة التي غضب الله منها وعذب عليها، أنها إرادة الكفار، وقولهم باختيارهم، وصنعهم لا صنع الله جل ثناؤه، وأن عيسي كلمته وخلقه، لا تباعة على أحد في ذلك، وهذا هو الحق، وهو دين الله الذي لا مخرج لمسلم منه، ومن قال بغيره كفر ووجب عليه العذاب، والحمد لله رب العالمين.
  ثم نقول لك أيضاً: أخبرنا عن قول الله ø للكفار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢}[المدثر]، فنقول لك: أرأيت إن ردّوا عليه فقالوا: ذلك بما خلقت من أفعالنا، وأَردته من كفرنا، وقدّرته وقضيته علينا، هل يكذبون في هذا الجواب، أم يصدقون؟
  فإن قلت: إنهم يكذبون، رجعت عن قولك وصرت إلى قولنا بالعدل.
  وإن قلت: إنهم قد صدقوا في هذه الدعوى، في قولهم: إن الله ø خلق أفعالهم وقدرها عليهم، وقضاها وأرادها.
  قلنا لك، فقد أكذبك الله جل ثناؤه، ووجدنا القرآن يشهد بخلاف ما قلت، من إقرارهم على أنفسهم، وإبرائهم لخالقهم، وإضافتهم الظلم والمعاصي إليهم، لا إليه ø، حيث {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ٤٦ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ٤٧