[شبهة فيمن ذكر الله أنهم لا يعقلون ولا يعلمون]
  فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ٤٨}[المدثر]، ثم قال: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩}[المدثر]، فعجَّب نبيه صلى الله عليه كما تسمع، لعلمه أنه لا حائل بينهم وبين التذكرة. فما تقول لو ردّوا عليه في هذا الموضع، حين قال لهم: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩}، فقالوا: أنت بنا، لولاك لعرفنا رشدنا، هل يصدقون في الحجة، أم يكذبون؟
  فإن قلت: إنهم صدقوا، لزمك أن حجنهم أقوى من حجة الله ø.
  وإن قلت: كذبوا، رجعت عن قولك.
  ثم نقول لك: أخبرنا ما تقول في رجل من المسلمين خرج غازياً للروم في بلدها فحاربهم وقتاً، ثم إنه وقع في أيديهم وأخذوه أسيراً، فوضعوه في الحبس والحديد، فلما دخل شهر رمضان عرضوا عليه الدخول في النصرانية، والقول بأن المسيح ابن الله، فكره ذلك وامتنع عليهم منه، فلما امتنع ربطوه بالحبال، وغلّوا يده إلى عنقه، ثم أخذوا له المغرّ الذي يُغَرُّ به الصبيان، وهو المسعط في لغة العرب، وأوجروه به الخمر كرهاً، وهو مضجع لا حيلة له في نفسه، ولا دافع عنه، ثم جعلوا يسقونه إياه، وكذلك ودك الخنزير، فلم يزل على ذلك سنة على تلك الحال، حتى إذا لم يبق من السنة إلا يوم واحد أطلقوه.
  فنقول لك ولمن قال بقولك: أليس قد علم الله ø أنه قد فعلوا به ذلك الفعل، وأكرهوه على شرب الخمر، وودك الخنزير حين أو جروه إياها كرهاً، وهو لا حيلة له في نفسه؟!
  فإن قلت: نعم، قد علم الله ذلك منه ومنهم.
  قلنا لك: فهل على هذا الرجل لله ø في ذلك الذي أُكرِهَ عليه حجة أو تباعة؟ أو هل يجب عليه عذاب أم لا؟