مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {وكانوا لا يستطيعون سمعا 101}]

صفحة 164 - الجزء 2

  حقيقة لا مجاز له ولا تأويل فيه؟! وتقول: إنهم صمّ، لا يسمعون قليلاً ولا كثيرا؟!

  فإن قلت: نعم، كذلك أقول، أكذبك الله حيث يقول: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ ٤٧ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ٤٨}⁣[غافر]، وليس بدّ للمحتاجين أن يسمع بعضهم بعضاً. وكفى بهذه الحجة فاضحة لك!

  ومن الحجة لنا عليك أن نقول لك: أخبرنا عن قول الله جل ثناؤه لنبيه محمد ÷، حين قال له يعاتبه على إذنه للقوم الذين أذن لهم، فقال له: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ٤٣}⁣[التوبة]. فنقول لك: هل كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يستطيع ويقدر أن لا يأذن لهم؟!

  فإن قلت: نعم، لزمك أنك قد رجعت عن قولك، وبطل احتجاجك، في أن الاستطاعة مع الفعل، وصرت إلى الحق وهو قولنا.

  وإن قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لم يكن يستطيع ولا يقدر أن لا يأذن لهم إلا مع الفعل، لزمك أن الله ø قد عاب عليه وعنّفه. في أمر لم تكن له عليه استطاعة ولا مقدرة، وهذا أعظم الجور وردّ للقرآن، إذ يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٩]، {إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧].

  ثم نقول لك: أخبرنا عن قول الله ø لنبيه داود صلى الله عليه: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[ص: ٢٦]، أليس قد قال ø هذا القول لداود صلى الله عليه؟

  فإن قلت: نعم.