مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {وكانوا لا يستطيعون سمعا 101}]

صفحة 165 - الجزء 2

  قلنا لك: فهل أَمره الله من الحكم بالحق وترك الهوى، بما يقدر عليه ويملكه وهو له مستطيع قبل فعله؟!

  فإن قلت: نعم، تركت قولك وصرت إلى قولنا.

  وإن قلت: لا، لم يكن داود يستطيع الحكم بالحق، ولا ترك اتباع الهوى، إلا مع الفعل لذلك، لزمك أن الله ø قد كلَّف دارد ما لا يطيق ولا يملك ولا يقدر عليه، وليس هو موجوداً في بنيته، وأن قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، و {إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، باطل لا يصح، وليس له حقيقة. وهذا أعظم الكفر والخروج من الاسلام جملة.

  وكذلك يلزمك في جميع ما أمرتْ به الأنبياء من هذا النحو، على الأمر لها بالفروض اللازمة لها وللأمم، ولو كان هؤلاء القوم الذين ذكرت أنهم لا يستطيعون سمعاً على ما توهّمت وذهبت إليه من الجبر والفرية على خالقك، جل الله عما قلت! لَما لَزمتُهم لله ø حجة، ولا كانت عليهم له مطالبة، إلا أن تقول: إن الأصمّ تلزمه الفرائض التي هي من طريق السمع.

  فإن قلت كذلك، أكذبك جميع أهل القبلة، لأن الأصمّ لا حجة عليه في الفرائض التي هي من قبل الأمر المسموع من القرآن وغيره، مما لا يُدرك في الدين إلا من جهة المسموع، وكفى عليك بهذا القضاء فضيحة في دينك، فقد بان خطائك وغلطك، فيها سألت عنه وذهبت فيه إلى الجبر، وفارقت العدل!

  ولو كانوا لا يستطيعون سمعاً على ما ذهبت إليه، لبطل قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، ولا يجوز بعثه الرسل إلى مَن لا يسمع قول الرسل، وهذا واضح لا يقدر له أحد على ردّ، وفيه الكفاية الكافية، والحمد لله رب العالمين.

  ومن الحجة عليك في أن الاستطاعة قبل الفعل، قوله ø: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}⁣[البقرة: ٢٣٥].