مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {وكانوا لا يستطيعون سمعا 101}]

صفحة 166 - الجزء 2

  ألا ترى أنهم لو أرادوا النكاح قبل بلوغ الكتاب أجله لأمكنهم ذلك، ولإمكانه لهم ومقدرتهم عليه، ووجود الاستطاعة فيهم قبل فعله، افترض الله ø عليهم أن لا يعزموا على النكاح ولا يفعلوه حتى يبلغ الكتاب أجله، وهو وفاء العدة وبلوغ الأمد، وهذا أقطع ما يكون لكم في قولكم: إن الاستطاعة مع الفعل.

  ومن الحجة لنا عليك في أن الاستطاعة قبل الفعل، قول الله ø: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ٢٧ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ٢٨ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ٢٩}⁣[المائدة]، فقال الله ø: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٣٠}⁣[المائدة].

  أفلا ترى أيها المغرور في دينه كيف أخبر الله ø أن نفسه هي التي طوّعت له قَتْلَ أخيه، وأن الله لم يرد ذلك ولم يخلقه ولم يقدّره، وأن الاستطاعة مع كليهما موجودة قبل فعلها، مُقرين بذلك ومصدقين بها، فنزل هذا القرآن غير مكذّب بقول هذا لصاحبه: {لَأَقْتُلَنَّكَ}، لعلمه أنه قادر على قتله قبل فعله، وقول الآخر: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ}، لعلمه أنه قادر على قتله قبل فعله، فلذلك كفّ وتورّع.

  ولو كان يعلم أنه لا يقدر على ذلك، لم يجز على الله جل ثناؤه أن يخبر عنه ويصوّبه في فعل ما لا يقدر عليه، والله بريء من فعل الذي قتله، ولذلك صار القاتل ظالماً متعدياً، إذ لم يكفّ استطاعته عن الظلم واستعمالها في الفساد، وأمسك الآخر ولم يعجل إلى القتل الذين له فيه استطاعة وهو له ممكن من قبل فعله، وهذا خبر الله ø، وهذا كتابه ينطق بخلاف قولك: إن الاستطاعة مع الفعل.

  وفي هذه الآية من الحجة عليك في إثبات العدل، وبراءة الله ø من قتلِ