مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {وكانوا لا يستطيعون سمعا 101}]

صفحة 167 - الجزء 2

  مَن قُتل مظلوما، قوله ø: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٣٠}⁣[المائدة]، ولم يقل: فقضيتُ عليه قتل أخيه، ولا أردته منه، ولا خلقت فعله، وكان من ندامته أنه لبث يحمله فيما يقال على عاتقه مائة عام، لا يدري كيف يصنع به، {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ٣١}⁣[المائدة].

  ثم قال الله ø على أثر هذا، مثبتاً للعدل، ومبرئاً لنفسه من الظلم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}⁣[المائدة ٣٢].

  أفلا ترى كيف ندم ابن آدم ولام نفسه، على أنه لم يدفن أخاه، وقد كان الدفن يمكنه قبل فعله وهو مستطيع له، ولذلك قال: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}، لعلمه أنه قد كان قادراً مستطيعاً أن يدفن أخاه، ولو كان لا يستطيع دفنه ما قال: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}، ولا يجوز أن يخبر الله ø عنه بما لا يكون، وكيف يتلهّف على أمر لم يكن يستطيعه إلا مع فعله؟! وكيف يحكي الله ø خبراً لا يصحّ ولا يجوز في المعقول، ولا يستطيعه الناس إلا مع فعلهم له؟!

  فاعرف قدر هذه الحجج القاطعة لك، ففيها كفاية لمن عقل، والحمد لله رب العالمين.

  ومن الحجة في أن الاستطاعة قبل الفعل، قول الله ø: {وَلَا يَضْرِبْنَ