[شبهة في قوله، {وكانوا لا يستطيعون سمعا 101}]
  بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ}[النور: ٣١]، ففي هذه الآية دليلان اثنان على أن الاستطاعة قَبل الفعل.
  ألا ترى أنه أمر النساء أن لا يضربن بأرجلهن، لَّما علم أن معهن استطاعة الضرب بالأرجل من قبل أن يفعلن، فافترض عليهن أن لا يضربن بأرجلهن، ولو لم تكن معهنّ استطاعة الإمساك عن الضرب بأرجلهن، لم يفترض عليهن أمراً لا يقدرن عليه، وتكليف ما لا يُطاق، عزّ الحكيم العادل عن ذلك!
  وكذلك قوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ}، فلم يكن ليأمرهم ø ويفترض عليهم التوبة من قبل أَن يجعل لهم السبيل إليها، ويمكّنهم منها، وأكبر الشاهد لنا على ذلك، قوله ø: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}[المائدة: ٧٤]، ويلومهم - كما تسمع - على ترك التوبة التي هي ممكنة لهم إن أرادوها، فهذا أكبر دليل وأقوى حجة، {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ١٠١}[يونس]، أهذا ويحك قول من حال دون التوبة والايمان؟! فسبحان الله العظيم!
  ومن الحجة في أن الاستطاعة قبل الفعل، قوله ø: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ١٥}[الأنفال]، فهذا يوجب أنهم كانوا يستطيعون أن لا يولوا الأدبار من قبل الفعل، ولولا ذلك ما قال ø: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}[الأنفال: ١٦]، فلم يكن الله ليغضب عليهم في أمر لا يستطيعون إليه حيلة.
  ومن الحجة لنا في إثبات العدل، وأن الله ø لا يعذب أحداً إلا بظلمه وجرمه وإثمه، وغشمه واختباره، قوله ø: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}[النمل: ٥٢]، ولم يقل: بما قضيت عليهم وقدرت وأردت.