مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {وكانوا لا يستطيعون سمعا 101}]

صفحة 169 - الجزء 2

  وقد روي عن كعب الأحبار | أنه قال: قرأت في الكتب السالفة الأولى: ومن يظلم نخرب بيته، فكنت على ذلك فينة من دهري، حتى بعث النبي محمد ~ وعلى آله، فلما سمعت به سرت إليه وأسلمت، وأقمت عنده وتصفحت ما نزل عليه من القرآن، وطلبت نظيراً لتلك الآية التي وجدتها في التوراة فلم أجد، فبينا أنا على ذلك، إذ نزل عليه ~ هذه الآية {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}.

  فالله ø لا يؤاخذ أحداً من جميع خلقه إلا بعد ظلم وذنب بدأ به هو، واكتسبه واختاره بعد النهي عنه، والدعاء إلى غيره من الطاعة، ولم يُرد منهم ø أن يكفروا ولا أن يُدْبروا عن أمره، ألا تسمع إلى قول نوح صلى الله عليه: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ٧ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ٨ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ٩}⁣[نوح]، ثم قال: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ١٣}⁣[نوح].

  أفلا تسمع إلى هذا القول العجيب، والحكمة البالغة، وأين هذا من دعواك يا عبد الله بن يزيد البغدادي وإخوانك المجبرة، التي أسندتم فيها إلى خالفكم أنه أراد الكفر من الكفار، جرأة على الله جل ثناؤه، وتعامياً عن كتابه، ومكابرة للعقول، وميلاً إلى تقليد الرجال، بلا حجة ولا بصيرة، ولا شاهدٌ من كتاب الله ø، إلا ما تعلقت به من المتشابه في القرآن، الذي جهلتَ تأويله، فقد علمت ما ورد عليك في كتابنا هذا، من الكسر لحجّتك، واستشهاد القرآن عليك، والحجة الواضحة التي لا مخرج لكم منها أيها المجبرة أبدا.

  وقد قال الله تبارك وتعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ