مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

الرد على الأباضية

صفحة 227 - الجزء 2

  وجمادا وحيوانا، وناطقا وصامتا، وداخلا وخارجا ومنقطعا، وليس يذهب منه شيء إلا فقد ونقص معناه، وليس يجوز على الله جل ثناؤه معني شيء، وذلك أن جميع ما عددت لك مخلوق، والله ø خلاف ذلك.

  ومن الحجة أن الموصوف بتلك الصفة لا يكون فردا أبدا، لأنك تعلم أن الساكن وسكونه، والمتحرك وحركته، والحي وحياته، والميت وموته، والخارج وخروجه، والداخل ودخوله، وعلى مثل ذلك يجري ما ذكرنا لك، والله تبارك وتعالى بريء من شبه ذلك، عز وكرم وتقدس ذو السلطان العظيم.

  واعلم أن الله جل ثناؤه خلق الحواس الخمس، وهي السمع والبصر والشم والذوق، واللمس للحار والبارد، واللين والخشن، وما أشبه ذلك مما تدركه الحواس الخمس، ولا يجوز أن يطلق إلى الله ø منهن، لأن السمع إنما سمع صوتا فحدث له منه علم الأصوات، وكذلك البصر إنما رأي شخصا فحصل له علم الأشخاص، وكذلك الأنف إنما شم ريحا فحدث له علم الأرواح، وكذلك الفم إنها ذاق فحدث له علم بها ذاق من حلو أو مُر، وكذلك اليد إنها لمست فحدث له علم بالمحسوسات، والله ø الخالق لذلك كله، والمصور له، والمستغني عنه، والله تبارك وتعالى خلق الإنسان لا يعلم شيئا، حتى إذا استفاد المعارف والعلوم وكل ما وصفنا، وذلك قوله في كتابه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}⁣[النحل: ٧٨]. فإذا كان الله ø لا يشبه شيئا من جميع خلقه، فهو من أن يشبه أفعال خلقه أبعد وأجلُّ، فتعالى الله أن يشبه المخلوقين في شيء من جميع المعاني كلها علوا كبيرا.

  واعلم أن حجة الله ø قائمة بالتوحيد عن الله سبحانه قبل مجيء الأنبياء وبعد مجيئهم، لأن أنبياء الله À إنما بلغوا التوحيد عن الله على ما