مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

تفسير سورة بني إسرائيل

صفحة 244 - الجزء 2

  الفرق الواضح، وما فضَّل به ضوء النهار على ظلمة الليل، وما أتقن فيه من الصنع والتدبير، لمعازة الدنيا، ومصالح الخليقة، وذلك قوله: {لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} يعني: تصرفهم في طلب المعاش وقوام الدنيا.

  {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ١٢}. فهذا ما لا يخفى على أحد من عدة الأيام والشهور والسنين، نعمة منه ø ورحمة، ليعرفوا الأوقات، والمدد والحساب، والعدد والصيام في وقته، والحج في وقته، والآجال المضروبة بينهم في معاملاتهم، وأحكامهم، وأعيادهم، ونكاحهم، وديونهم، وأسفارهم، ومزروعهم، والأسباب التي لا غنى لهم عنها، ولا قوام لهم إلا بها.

  قوله: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ١٣}. يعني بذلك: عمله الذي عمل في أيام حياته من الخير والشر، فيجده مُحصىً محكما مثبتا، لم يسقط منه صغيرة فتخفى، ولا كبيرة فتنسي، وذلك قوله ø: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}⁣[الكهف: ٤٩]. والمغادرة في لغة العرب فهو الأمر الذي لا يترك منه شيء قل ولا كثر.

  قال الشاعر:

  قتلنا بالرجال فلم نغادر ... لهم بالدار من يحمي السواما

  يقول: لم نترك من رجالهم من يمنع عن نعمهم وأموالهم أحداً إلا قتلناه.

  {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ١٤}، يقول: كفى لنفسه محاسباً، وعليه شاهداً، ولها محاجاً.