مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

تفسير سورة بني إسرائيل

صفحة 247 - الجزء 2

  العقاب، فأضمره ولم يذكره، وقال في قصة يوسف #: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ٤٥ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}⁣[ليوسف: ٤٥ - ٤٦]. فأضمر والذي تعرف العرب أنه أراد به أنه عنى: أرسلون إلى يوسف الذي في الحبس، فأضمر إلى يوسف، وأضمر الإرسال، وأضمر المصير إليه، فلم يذكر ذلك، لاستغناء العرب عنه، بقوله: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}.

  ومثل هذا في القرءان كثير، في سورة يوسف وغيرها من السور، يطول بشرحه الكتاب، ولو لا كثرته لفسرناه على جهته بمعانيه وشواهده من أشعار العرب ولغاتها، وفيها قلنا كفاية وشفاء، إن شاء الله.

  والله ø لا يأمر أحداً من جميع خلقه بفسق ولا فساد، ولا معصية ولا إلحاد، ولا يصدهم عن خير ولا رشاد، جل عن ذلك وعلا علواً كبيرا، فقال ø: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ١٦}. يقول جل ثناؤه: أمرناها بأمرنا فتركت، فحق عليها القول، فوقع بها الهلاك والنقم بالدنيا والآخرة.

  {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ١٧}. يقول: كفي به ø عالما بجميع الأشياء، إذ لا تخفى عليه خافية ولا يغيب عنه غائبة، لا يجب عليه مستور.

  وكيف يكون ذلك وهو القائل جل ثناؤه: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ١٢}⁣[الطلاق: ١٢]؟! فقد علم بذنوبهم من قبل خلقه للسماوات والأرضين، وإلى ما هم عليه باختيارهم صائرون.

  {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ}. هو أنا قد رأينا الكل يريد أشياء كثيرة فلا توانيه، ولا تسعفه ولا تدانيه، فالله ø يعجل لمن يشاء في