مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[تفاوت معارف الخلق]

صفحة 108 - الجزء 1

  فإن قال لنا: فيلِمَ زعمتم أن علي بن أبي طالب أعلمُ الناس بحلال الله وحرامه وكتابه وسنة نبيه بعد النبي صلى الله عليه؟

  قلنا له: لأنه كان أرغبهم في طلب العلم، وأحرصهم عليه، وأقربهم منزلةً من الرسول صلى الله عليه، إذ هو معه ~، جميعا في دراه، ومُقاعِده في ليله ونهاره، مع ما أراد الله سبحانه من استخلافه بعد نبيه، فلا عتب على النبي صلى الله عليه، ولا حجة فيها خصّه به دون غيره، لعلمه أنه موضع حاجة أهل الإسلام، ومفزعهم بعده، وأن جميع ما علمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله من العلم عائدٌ نفعه ومرفقه على الأمة، وهو قوام دينها، فذلك يوجب نصح النبي صلى الله عليه وعلى آله وكمال تبليغه، وينفي عنه الاختصاص بالأثرة بالعلم لبعض دون بعض، إذ في ذلك الصلاح للأمة، وحسنُ العائدة عليها، فذلك من جودة النظر لها.

  وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لا يفعل من الأمر إلا ما أمره الله ø به، لقوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}⁣[الأنعام: ٥٠، يونس: ١٥، الأحقاف: ٩]، وقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣}⁣[النجم]، وقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ٢٤}⁣[التكوير]. فهذا حرف واحد يقرا على وجهين، فمن قرأه بالظاء وجب في ذلك أنه # ليس على الغيب بمتّهم، والظنين في لغة العرب هو: المتهم. ومن قرأ بالضاد وجب في ذلك أنه ليس على الغيب ببخيل، والضنين في لغة العرب هو: البخيل.

  وأما قولك واعتلالك بقول الله ø إنهم {لَا يَعْلَمُونَ ١٣}، و {لَا يَعْقِلُونَ}، {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}⁣[النجم: ٣٠]، فإنما ذلك كله ذمّ منه ø لهم، إذ لم يطلبوا العلم ولم يُصغوا إليه، وكابروا الجائي به من عند الله سبحانه، وتركوه باتباع الهوى، واختيار العمى، وتقليد الكبراء، وقد كانوا بُصراءَ إذا أرادوا وعلماءَ لما أحبوا، وبلغاء فيما اشتهوا.