[سلسلة من شبه البغدادي]
  الإيمان الذي لا يستطيعه؟ أليس لا يستطيع أن يَعدِل عنه فِعلَ الكفر في تلك الحال، كما لا يستطيع أن يعدل عنه الاستطاعة؟!
  فإن قالوا: بلى.
  فقل لهم: فَهٌم إذاً في تلك الحال لا يستطيعون الإيمان في حال كفرهم، وهم مكلفون للايمان، وهم لا يستطيعون ترك الكفر، ولا أخذ الايمان؟
  فإن قالوا: نعم، أعطوك أن الكفار لا يستطيعون الإيمان في حال كفرهم، وهم مكلَّفون للإيمان وهم لا يستطيعونه، ولا يستطيعون ترك الكفر في تلك الحال.
  فإن قالوا: نعم، فقد تركوا قولهم، وهذا قولنا، لأنّا نقول: إن الناس يكلَّفون الإيمانَ في حال الكفر وهم لا يستطيعون ترك الكفر في حال الكفر، ولا يستطيعون ترك الإيمان في حال الإيمان. وتقول: إن الاستطاعة والتكليف والفعل إنها تقع في حال واحدة، فمن وقع له فعل مع الاستطاعة فهو لا يستطيع ترك ذلك الفعل في تلك الحال التي وقع فيها فعلُه واستطاعته، فقد أقررتم بها نقول.
  وإن قالوا: إنها يقعان معاً، ولكنه قد يستطيع أن يردّ ما كان فعل بَعدَ فِعْله، فهذا أقبح واجور، فسلهم عند ذلك فقل: هل يستطيع احد منكم الآن أن يردّ شيئاً قد كان فَعله حتى يقال: إنه لم يفعله، فإنهم لن يفنّدوا هذا ولن يستطيعوا في هذا جواباً، لأن مَن سرق أو قتل أو أشرك أو عمل عملاً فلا يستطيع أن يردّ ذلك حتى يقال: إنه لم يعمله قط.
  وإن قالوا: إن الاستطاعة تقع قبل الفعل، فقل لهم عند ذلك: أليس الاستطاعة [لها] حال تقع فيه غير حال الفعل وهي قبل الفعل، فقد يكون الرجل مستطيعاً للإيمان والكفر في حالٍ، ولم يعمل إيمانا ولا كفرا؟