مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[سلسلة من شبه البغدادي]

صفحة 113 - الجزء 1

  فإن قالوا: بلى.

  فقل: أفليس إنما يفعلون الآن بما كُلفوا بغير استطاعة، لأن الفعل في غير حال الاستطاعة، وإنما يكون فعلهم بلا استطاعة، لأن الاستطاعة قد ذهبت في حالها، كما ذهب الليل في حال الليل والنهار في حال النهار، والقعود في حال القعود، والقيام في حال القيام، والكفر في حال الكفر، واشباه هذا قد ذهبت الاستطاعة وحالها، كما ذهب الليل وحاله، والنهار وحاله، وأشباه هذا.

  فإن قالوا: بلى.

  فقل: فإنما تفعلون بغير قوة ولا استطاعة؟

  فإن قالوا: نعم.

  فقل: أفليس إنما يعمل الناس الإيمان والكفر بغير استطاعة ولا قوة، فأخبروني ما ذلك العمل الذي عُمل بغير قوة ولا استطاعة؟ فإنهم لن يصفوا لك عملاً عُمل بغير قوة ولا استطاعة! وقل لهم عند ذلك: أخبروني عنكم إذ زعمتم أنه إنما وقع التكليف بالاستطاعة، وكُلفوا أن يفعلوا بالاستطاعة، ففعلوا بغير الاستطاعة، لأنه كلفهم الإيمان بالاستطاعة، فعملوه بغير الاستطاعة، فهم لم يأتوا به على الوجه الذي كلفهم، وهم عصاة في قولكم، إذ جاؤوا بالإيمان بغير الاستطاعة، ولن يقولوا يفعلون بغير قوة ولا استطاعة، غير أنا إنما اتّبعنا كلّ كلام يُخاف أن يُدخلوا فيه شيئا يلبِّسون به على ضعيف المعرفة. فانظر في هذا الوجه من الكلام نظراً لطيفاً، فإن فيه نقضَ كلام المبطلين القدرية.

  ثم سلهم فقل لهم: أخبروني حين قلتم: إن الاستطاعة والتكليف وقعا قبل الفعل بلا حال بينها، أليس الاستطاعة قبل الفعل ام لا؟!