[سلسلة من شبه البغدادي]
  فإذا قالوا: بلى.
  فقل: فإذا كانت قبله، أليس الفعل بعد الاستطاعة؟ فأخبروني عن الذي بعد، أليس الذي هو قبل هو قبله؟
  فإن قالوا: نعم، القبل قبلَ البعد.
  فقل: فأخبروني عن القبل حين ذهب وذهبت حاله، بأي شيء كان البعد والبعد بأي شيء فُعل، فإنهم لن يقدروا في هذا الكلام على جواب، لأنهم قد أنزلوا الاستطاعة والتكليف قبل الفعل، فالبعد ليس بالقبل، والقبل ليس بالبعد، كما أن الليل لا يكون بالنهار، والنهار لا يكون بالليل، إنما النهار بالنهار، والليل بالليل، كذلك القبل بالقبل، والبعد بالبعد، فالفعل الآن إنما هو بعد الاستطاعة، فليس بالاستطاعة كان، ولكنه كان بالفعل، إن قُدتم القياس على القبل والبعد، وهذا كلام لا يحيرون فيه جواباً، ولا حجة لهم فيما يلوون به ألسنتهم.
  ومن زعم منهم أو من غيرهم أن الاستطاعة تقع قبل الفعل ثم تبقى حتى يمضي الفعل، فقد أعطاك بأنهم يستطيعون الفعل في غير حال الفعل، وأنهم قد يستطيعون في حال الإيمان فِعلَ الكفر، وفي حال الكفر فعل الإيمان، فسلهم عند ذلك على حدّ صدر المسائل: أليس قد يستطيعون الإيمان والكفر جيمعاً في حال واحدة، حين جاءت استطاعتهم قبل فعلهم؟ فهم يستطيعون أن يفعلوه، والاستطاعة قبلها؟
  فسلهم عند ذلك: أليس ما علم الله أنه واقع مع التكليف، والاستطاعة مع الفعل بعد الاستطاعة، لا يستطيعون أن يُوقعوا ثمَّ فعلا غيره، كما لا يستطيعون أن يوقعوا ثمَّ تكليفاً ولا استطاعة، فمن وقع له فِعلُ كفرٍ في تلك الحال، لم يكن يستطيع أن يوقع ثمَّ فعلاً غيره، لأنه لا يستطيع - زعمتم - الإيمان والكفر جميعاً في حالة