[تفنيد شبه البغدادي]
  ثم نقول لك أيضا: وكذلك الرسل والمؤمنون لم يجبرهم الله ø على الإيمان جبرا، ولم يقسرهم على الدخول فيه، إلا بما وهب لهم من العقول، والهدى الذي أرسل به الرسل، ودعا إليه الخلائق، وزيّنه في قلوبهم، وحبّبه إليهم، بالترغيب فيه، وشريف الوعد والوصف الذي وصف في الآخرة، وكذلك ما كره من الكفر فهو ما خوّف به من النار والخلود فيها، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ٧}[الحجرات] في آخر الآية، فأثنى عليهم بالرشد وهو فعلهم لا فعله، ولو كان فعلَه لم يشكرهم عليه، إلا كما سمعتَه شكر الشمسَ والقمر، والسماوات والأرض، والليل والنهار، وجميع ما تولّي فعلّه قسراً وجبراً وحتماً، فهل سمعته شكر شيئاً من ذلك كله، أو أثني عليه، أو أن السماوات والأرض، والجبال والشجر، والدواب والبحار، عنده مشكورات وراشدات، وكذلك الشمس والقمر والنجوم، هل شكرهنّ في شيء من كتابه، أو حمدهن، أو أثني عليهن كما أثنى على عباده المطيعين له؟!
  معاذ الله لا تأتي في هذه بحجة أبداً، ولا تجد لك فيه أمراً تكسر علينا به، إلا ذِكْرَهن فيما فطرهن عليه، أو ما أنعم به على خلقه، مِن جعلِه لهن. فأما غير ذلك، فلا والله لا تجده أبدا.
  وقد بان من غلبة الحق وأهله، للباطل وأهله، أن المجبرة لا يحتجّون بآية من المتشابه، إلا كسرنا حجتهم فيها بالآيات المحكات، وأعظم الدليل على أن معنا الحق، وأن من خالفنا مبطل، أنهم لا يقدرون على كسر آية واحدة مما احتججنا به في العدل، ولا يجدون لها تأويلا يكسرونها به، ولا يردّونها علينا بحجة من القرءان ولا غيره.