[حجة دامغة على تقدم القدرة للفعل]
  فإن قالو: نعم، نحن نُقر أنّا نجد فيهم الحركة والسكون قبل فعلهم، تركوا قولهم، ورجعوا إلى أن الاستطاعة قبل الفعل، لأنّا نحن وهم نجد الإنسان يقبض ويبسط، ويتحرك ويسكن، بلا عملِ شيء يعمله، يحرك يده ورجله، ورأسه ولسانه، ويفتح عينيه ويغمض إذا أراد ذلك، ويقوم ويقعد، ويجيء ويذهب، كل هذا الفعل موجود فيه، مشاهَد من قِبلِ نظره إلى المحارم، ومن قِبلِ سرقته لأموال الناس، ومن قِبلِ سفكه للدماء، ومن قبل قوله القبيح والحسن، ومن قِبلِ فعل الشيء مما يفعل، فهذا موجود مشاهد من فعل بني آدم.
  فإن قالت المجبرة: لسنا نقول ذلك، ولكنا نقول: إن بني آدم لا ساكنون ولا متحركون حتى تأتيهم الاستطاعة مع الفعل، لزمهم أنهم قد خرجوا من التوحيد الذي ادّعوا أنهم فيه مقدَّمون، ولزمهم أنهم قد وصفوا بني آدم بصفة الله الواحد الفرد، الذي لا تجري عليه الحركة ولا السكون، ورجعوا عن القول بالتوحيد، فإذا هم قد خرجوا من التوحيد الذي ادعوا والعدل جميعة، لأن الله ø لا تجري عليه الحركة ولا السكون، لقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]، وليس شيء من جميع الأشياء إلا والحركة والسكون تلزمه وتجري عليه. فلا بد لهم من إيطال التوحيد الذي انتحلوا، أو يرجعوا عن قولهم، فيقولون: إن الحركة والسكون موجودان في بني آدم من قبل أفعالهم، فيتركون قولهم ويصيرون إلى الحق والعدل وهو قولنا.
  ثم نقول لهم: أليس قد افترض الله ø على جميع الخلق في كتابه فرضاً لازماً لهم، حيث يقول في كتابه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}[النور: ٣٠]؟!