مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[حجة دامغة على تقدم القدرة للفعل]

صفحة 148 - الجزء 1

  فإذا قالوا: نعم، هذا فرض لازم للناس كلهم.

  قلنا لهم: فهل افترض الله ø عليهم ما يملكون غضَّه، ويستطيعون حفظه قبل فعله أم لا؟!

  فإن قالوا: قد افترض الله عليهم ما يملكون غضَّه، ويستطيعون حفظه قبل أفعالهم، تركوا قولهم ورجعوا إلى قولنا، وهو دين الله ø.

  وإن قالوا: إن الله جل ثناؤه افترض عليهم ما لا يملكون غضه، ولا يستطيعون حفظه قبل فعلهم له، كفروا بقول الله ø: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٩]، {إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، وبقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، ولا نعلم عسراً أعسر من تكليفهم أن يغضّوا أبصاراً لا يملكون غضّها قبل نظرها إلى المحارم، وأن يحفظوا فروجاً لا يستطيعون حفظها من الزنا قبل مواقعته، وأن يكفّوا أيديهم عن القتل الذي لا يقدرون على تركه قبل اكتسابه.

  ثم نقول لهم: ما الفرق بين تكليفهم لغضّ أبصارهم وحفظ فرروجهم وكفّ أيديهم عن قتل المؤمنين، وهم لا يستطيعون شيئا من ذلك، ولا يقدرون عليه، وبين تكليفهم لتناول النجوم، والطيران في الهواء، والمشي على وجه الماء؟! {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ١٤٣}⁣[الأنعام: ١٤٣]. فلا بد لكم مما قلنا، ولا مخرج لكم من حجتنا هذه الواضحة.

  وبعد هذا فانظروا كيف تُفسد عليكم القول بالتوحيد، لجهلكم بالعدل وقولكم بالجبر، فأنعموا النظر في هذه الحجج التي نوردها عليكم، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والحق فيما جاءت به الأنبياء، وليس الحق فيما أُخذ عن جهلة الرؤساء، والحمد لله رب العالمين.