الباب الرابع عشر في المقامات والحكايات
  فعلاً كما أثبتوا له فعلاً، وأثبتوا لهم إرادة كما أثبتوا له إرادة. فقام معتزلي من غمار الناس فقال: كذبت! بل المعني بذلك المجبرة القدرية الذين كذبوا على الله ووصفوه بما لايليق به وأشركوا معه في صفاته ونقضوا جملة ما أقروا به. قلت له: ولِمَ قلت ذلك؟ بيّن دعواك ببرهان. فالتفت إليّ وقال: نعم! من وجوه جمة وضروب كثيرة، فإنهم ما أقروا بجملة إلا ونقضوها بالتفصيل، وما اعترفوا بأمر إلا أبطلوه عند التحصيل. فخذ إليك مسألة مسألة:
  أولا: قالوا: أنه واحد، ثم أثبتوا معه قدماء أشركوهم معه في القدم، فنقضوا الأول والتحقوا بالثنوية.
  وقالوا: ليس له مثل وشبه، ثم قالوا له وجه ويد وجنب وساق، فنقضوا ما أسسوا.
  وقالوا: لايشبهه شيء وليس له كيف، ثم قالوا يُرى كما تُرى المحدَثات، ورووا أنه يُرى كما يُرى القمر ليلة البدر، وهل تشبيه أعظم من هذا؟
  وقالوا: أنه صادق، ثم قالوا كل كذب منه وأنه يجوز أن يخلف وعيده.
  وقالوا: أنه حكيم، ثم قالوا كل سفه وقبيح فمن قِبَله ومن خلقه وإرادته وقضائه وقدره.
  وقالوا: أنه عدل، ثم قالوا يعذب من غير ذنب ويأخذ واحداً بذنب آخر بل يخلق للنار ويعاقب من غير جرم ويعذب على ما خلقه فيهم وأراده منهم.
  وقالوا: الطاعة واجبة والمعصية حرام، ثم قالوا لا جزاء على واحد منهما.
  وقالوا: الوعد والوعيد حق، ثم قالوا يجوز أن يعذب البررة ويثيب الفجرة ويدخل الأنبياء النار والفراعنة دار القرار.