الباب الرابع عشر في المقامات والحكايات
  وقالوا: الأنبياء حجج الله ورسله، ثم قالوا يجوز عليهم الكذب والكبائر.
  فما أتوا بجملة إلا نقضوها ولا كلمة إلا أبطلوها. ثم قالوا: الفعل خلق لله وكسب للعبد، ولايصح حصول الكسب إلاّ بخلق الله ولا خلق لله إلاَّ بكسب العبد، وهذا عين الشرك كمالكين لايمكن لأحدهما التصرف إلا مع الآخر ووصيين ووكيلين.
  فأما نحن فنقول: أنه تعالى القادر على ما لايتناهى من أجناس المقدورات، فإذا أقدر عبده على شيء قدر وإلا فلا، فمثلنا معه كمثل ملك وسائس له إن أعطاه شيئاً أخذه وإلا فلا، فهل يقال أنه شريكه في ملكه بذلك؟ ثم ما قررنا أصلاً إلا وافقناه بين جمله وتفصيله، ما نقض كلامنا بعضه ولا أبطل بعض أصولنا بعضا. فنحن المؤمنون حقاً وأنتم كما قال الله تعالى: {وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشرِكونَ}[يوسف: ١٠٦]. فما أحار أحد جواباً.
  حكاية - جرى يوماً حديث بدر، فقلت: أنا شاهدتها وحضرتها مع الملأ من قريش أشجعهم وأمنيهم وأنصرهم بجنودي من الشياطين، فلما رأيت الملائكة تنزل من السماء علمتُ أن لا طاقة لنا، فهربت وأنشدت:
  وكتيبة لبستها بكتيبة ... حتى إذا التبست نفضت لها يدي
  فقال بعض المعتزلة: فبذلك نزل: {وَإِذ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم