رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

فصل

صفحة 54 - الجزء 1

  أراد ويقضي بما نهى عنه ثم يعذب عليه، وأنه يخلق فعلاً ثم يقول لِمَ فعلتم؟ ويغضب على ما خلق وقضى و أراد، ويأمر بشيء ويحول بينه وبين ما أمر به، ويقضي أمراً ثم يأمر القضاة والولاة والغزاة برد ما قضى وقدر وأراد وخلق، وأمر بحدود تقام على شيء خلقه، فأمر بجلد الزاني - وخلق فيه الزنا - وقطع يد السارق - وهو الذي قدّر عليه السرقة -، وجعل مال زيد رزقاً لعمرو وخلق أخذه ثم قال لِمَ أخذت؟ وعاقبه عليه، وأنه خلق الكفر وكره الأيمان وبعث الأنبياء دعاة إلى خلاف مراده وضد قضائه. فانظر إلى سوء ثنائهم على ربهم، وانظر إلى حسن ثناء أهل العدل عليه حيث قالوا: إنه حكيم أمر بما أراد ونهى عما كره، وقضى الإيمان ورضيه وأحبه وزينه، ونهى عن الكفر وكرهه وغضب عليه وسخطه، كما قال الله تعالى: {وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإيمانَ وَزَيَّنَهُ في قُلوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسوقَ وَالعِصيانَ}⁣[الحجرات: ٧]، وأنه بعث أنبياءه بالحق ليدعوا إلى الحق الذي أراده، وأنزل الكتاب ليهتدي به، وهدى إلى الدين وما أضل أحداً من العالمين، وأنه يثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه، فاحمدوا الله على هذا الدين وقولوا: الحمد لله رب العالمين.

  وسأل عدلي مجبراً: هل تملك من أهلك ومالك شيئاً؟ قال: لا. قال: فما تملكه منهم جعلته في يدي؟ قال: نعم. قال: اشهدوا أن نساءه طوالق وعبيده أحرار وماله صدقة في المساكين. وكانت امرأته ممن تقول بالعدل، فتحولت عن منزله وسألت العلماء، فأفتوا بوقوع ذلك كله. وصار ضحكة وسخرة.