رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

فصل

صفحة 57 - الجزء 1

  وقيل لهشام بن الحكم: أترى أن الله يكلف عباده ما لا يطيقون ثم يعذبهم عليه؟ قال: والله قد فعل ذلك ولكن لا نجسر أن نتكلم.

  وعن بعضهم قال: رأيت مجبراً في المنام فقلت له: ما فعل بك ربك؟ قال: هو على قولكم، قدري!

  واجتمع جماعة بطرسوس يرمون الهدهد ويشتمونه، فقال لهم قائل: ما ذنبه؟ فقالوا: هو قدري حيث قال: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم}⁣[النمل: ٢٤] فأضاف العمل إليهم والتزيين إلى الشيطان، وجميع ذلك فعل الله تعالى. قال: تباً لكم! أأنتم تنفون الذنب عن الشيطان وتضيفونه إلى الرحمن؟

  وذكر أبو محمد المزني - وكان ظريفاً - فقال: إذا أعطيت كتابي يوم القيامة قلت عرفت ما فيه ولكن أسأل عن شيء أتيته أنا باختياري أو خُلق فيّ ولم أقدر على تركه؟ فإن قالوا «فعلته باختيارك». قلت: يا رب عبدك الضعيف أخطأ وأساء وعلى عفوك وفضلك توكل، فإن عفوت فبرحمتك وإن عذبت فبعدلك، وإن قالوا «بل خُلق فيك وقُضي عليك وأنت تُعذب عليه» قلت: يا معشر الخلائق! العدل الذي كنا نسمع به في دار الدنيا ليس هاهنا منه قليل ولا كثير.