رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الأول في ما صدر به الرسالة من الشكوى

صفحة 23 - الجزء 1

  مقالتهم وحجتهم وكنت أحسبهم في الإنس فإذا هم في الجن أكثر ومذاهبهم أظهر وعددهم أوفر، قد طبقوا البر والبحر والسهل والوعر، فلا بلد إلا ولهم فيها داع ومدرس وخطيب ومصنف يصرخون بمذاهبهم على المنابر ويملؤون الدنيا بالكتب والدفاتر. وقد جمعت بينهم وبين إخواني من مجبرة الجن كثيراَ ودبرت مع خواصي في شأنهم تدابير فلم ينفذ لي فيهم حيلة ولا مكيدة. كنت أطمع في كل مرة أن نفحمهم فأفحمونا وأرجو أن نقطعهم فقطعونا وأؤمل أن نفضحهم ففضحونا، وبلغ من أمرهم أن قابلوني بقبيح الفعال وجبهوني وإياكم باللعن وسوء المقال.

  وفي كل ذلك أنتم الذابون عني والمناضلون دوني. ولكن لا ينفع معهم التوازر والقتال ولا ينجع فيهم المقال. إن قاتلنهم هزمونا وإن قاولناهم أفحمونا وإن تركناهم لعنونا، إن قلنا نحسن العشرة تلوا: {لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ}⁣[المجادلة: ٢٢]، وإن طلبنا الموافقة قرأوا: {قُل يَا أَيُّهَا الكافِرونَ}⁣[الكافرون: ١] وإن رمنا المصالحة تلوا: {قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ}⁣[التوبة: ٢٩] وأنشدوا:

  ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلا وضرب الرقاب

  و إذا قلنا لهم دعوا ما أنتم فيه فقد وقعتم في النيه، قالوا أشيء نقدر على تركه؟ فإن قلنا: «نعم» قالوا تركتم المذهب، وإن قلنا: «لا» سخروا منا