رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الأول في ما صدر به الرسالة من الشكوى

صفحة 24 - الجزء 1

  و استهزأوا بنا فإذاً السكون أحرى. ولقد ضاق صدري وعيل صبري، وقد كتبت إليكم إخواني في ما جرى بيني وبينهم من المقامات وما لقيت ولقيتم من النكايات، تحقيقاَ لما ذكرت وتصديقاَ لما قدمت، لنكون يداَ واحدة عليهم متعاونين على دفعهم.

  ولقد علمتم إخواني أن من الواجب في الدين نصيحة الإخوان والأتباع، وبذل الأمانة للأشياع. ألا وإني أبلغكم مالا تعلمون، وأنصح لكم وأنا لكم ناصح أمين. فاجتنبوا مجالسهم ومدارسهم، ولا تستمعوا إلى كلامهم ومواعظهم، وجنبوا أشياعكم و عوامكم ونساءكم وصبيانكم، فإن لكلامهم حلاوة وعليه طلاوة تحير ذوي الألباب وتدخل في القلب بلا حجاب. ومن عظيم فتنتهم أن سموا أنفسهم بالموحدة العدلية وسمونا بالمجبرة القدرية، فرمونا بالإلحاد ونسبونا إلى الفساد.

  ولقد مررت بقاص من الجن يتكلم في قوله تعالى: {وَجاهِدوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ}⁣[الحج: ٧٨] وهو يقول: يا معشر الجن! الجهاد أربعة: جهاد النفس بالصبر عن العصيان، وجهاد الكفار بالسيف والسنان، وجهاد أهل البدع بالحجة والبرهان، وجهاد أهل الكبائر بالموعظة والبيان. ثم قال: أما جهاد النفس فقد قال الله تعالى: {وَأَمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوى ٤٠ فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوى ٤١}⁣[النازعات: ٤٠ - ٤١] وأنه تعالى قدم الحجة وبين المحجة و أعطى الآلة وأزاح العلة، ووعد وأوعد، فكل من عصى فمن قبل نفسه أتي، و أن العبد مخير {فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر}⁣[الكهف: ٢٩]. وأما