رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الرابع في القضاء والقدر وذكر القدرية

صفحة 71 - الجزء 1

  خوضة و أفشيتم سره وقلتم بالجبر. فانقطع. ثم قال: أخبرني عن إفشاء هذا السر المغيب أمناً أو منه؟ فان قلت منا تركت المذهب، وإن قلت منه فهو الذي أفشاه، وإن قلت منا ومنه فقد أشركت.

  وجرى ذكر القدرية فقال مجبر: القدرية خصماء الرحمن وأنتم أولئك يا معشر المعتزلة! فقال: ننظر في المذهبين أيهما أليق بأن يكون خصماً له، فمذهبنا أن نجعل الحجة كلها على عبادة وانتم جعلتم الحجة كلها للعباد عليه، وانتم خصمه ونحن نذب عنه. ثم قال: حسبك بالقطع إذا دعينا ودعيتم يوم القيامة فقيل لكم: بم تشهدون؟ قلتم: يا رب نشهد إن القوم لم يؤتوا في كفرهم وفسادهم إلا من جهتك، أنت خلقت فيهم الكفر فأفسدتهم، وحملت اليهود على اليهودية والنصارى على النصرانية، ولو كان الأمر إليهم لكانوا صالحين لكن أنت صددتهم وبقضائك عليهم الكفر منعتهم وأنت نهيتهم عنها و أوقعتهم فيها، فجميع ذنوبهم منك وجميع معاصيهم من قبلك ثم سخطت عليهم بغير حق وتعاقبهم بغير جرم، ثم قلتم للقوم: أما نحن فقد بحنا ببراءتكم وقمنا بعذركم واحتججنا لكم.

  ثم قيل لنا: يا أهل العدل، بم تشهدون؟ فقمنا بين صفوفهم وقلنا: يا رب! نشهد إن هؤلاء كذب عليك ونحلوا إليك ما أنت منه بريء واعتذروا للظالمين وجعلوا دعوة الرسل لغو و إنزال الكتب عبثاً والأمر والنهي باطلاً و إقامة الحدود تعنتاً والسؤال والحساب والعقاب ظلماً والثواب ميلاً، فنحن نشهد أنهم كذبة وشهود زور وننزهك عما لا يليق بك فنقول سبحانك عما وصفوك به وتعاليت عما نسبوه إليك ونشهد انك لعدل في ما فعلت