رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الرابع في القضاء والقدر وذكر القدرية

صفحة 72 - الجزء 1

  وفطرت، الحكيم فيما قضيت وقدرت، الرحيم فلا عنت فيما أمرت ونهيت، العليم فلا جور فيما قدمت وأخرت، الصادق فيما أنبأت وأخبرت، خلقت الخلق برحمتك وكلفتهم برأفتك لينالوا جنتك، وأعطيت الآلة وأزحت العلة ومكنت بإعطاء القدرة وبعثت الرسل و أنزلت الكتب كل ذلك تعريضاً لما أعددت لهم من ثوابك وتحذيراً من عقابك، ولم ترد منهم إلا ما أمرت ولا كرهت إلا ما نهيت ولا قضيت إلا ما قدرت وإلا قدرت إلا ما أظهرت، فتركوا أمرك واتبعوا شهواتهم وارتكبوا ما نهيت إيثارا لشهواتهم ولذاتهم وطغوا في بلادك وظلموا عبادك، فمنهم من كفر ومنهم من جبر ومنهم من ترك العبودية.

  ومنهم من ادعى الربوبية، وفي كل ذلك أتوا من قبل أنفسهم و أنت من ذلك بريء حتى استوجبوا عذابك واستحقوا عقابك، ثم أمهلتهم للتوبة و أعذرت إليهم للإنابة ففي كل ذلك الحجة لك عليهم ولا حجة لهم عليك وما أنت بظلام للعبيد، بهذا كنا نشهد في الأولى كما شهدنا في العقبى، فانظروا أينا خصماء الرحمن، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا}⁣[النساء: ١٠٥] {وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم}⁣[النساء: ١٠٧].

  وقال معتزلي لمجبر: أليس الله يقول {وَشَهِدوا عَلى أَنفُسِهِم أَنَّهُم كانوا كافِرينَ}⁣[الأنعام: ١٣٠] فإقراهم أولى بأنفسهم أم شهادتكم لهم؟ فانقطع.

  وقال عدلي لمجبر: أليس الله يقول: {وَلا يَرضى لِعِبادِهِ الكُفرَ}⁣[الزمر: ٧]؟