رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الأول في ما صدر به الرسالة من الشكوى

صفحة 27 - الجزء 1

  عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ}⁣[الأعراف: ٢٢].

  فقال ذلك الشيخ: أيها القوم! الصدق منجاة، و ما ذنب الشيطان في الوسوسة؟ وما ذنب آدم وحواء في أكل الشجرة؟ أما علمتم أن الله خلق الوسوسة في الشيطان ومنعه من خلافها، وأرادها منه وقضاها عليه، وخلق الأكل فيهما ولم يقدرا على تركه وأراد منهما الأكل ثم يقول: {أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ}⁣[الأعراف: ٢٢] الآيه، ومن الشيطان حتى يقدر على شيء؟ ومن آدم وحواء حتى يقدرا على أكل الشجرة؟ الكل من الله. وبكى و بكى الناس حوله وقالوا: صدقت! فقام من غمار الناس معتزلي أخذته الرعدة وعينه تفيض من الدمع، وقال: أف لكم يا معشر المجبرة و سوأة لكم! أتبرئون الشيطان وتوركون الذنب على الرحمن؟ أما تستحيون من ربكم؟ أما لكم عقل يردعكم؟ أما لكم دين يمنعكم؟ {أُفٍّ لَكُم وَلِما تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ أَفَلا تَعقِلونَ}⁣[الأنبياء: ٦٧] وارتفعت الضجة وتفرق الناس، وأنا شاكر لسعيكم ذاكر لما كان منكم.

  واجتمع عندي المشايخ يوماَ يتذاكرون. فقام معتزلي من الجن وقال: يا قوم لٍمً لم يسجد هذا الشيطان لآدم وقد أمر به؟ فقالوا: لأنه منع منه بموانع كثيرة، لم يخلق الله فيه السجود ولا أراده ولا قضاء ولا أقدره عليه، بل خلق فيه تركه أراده وقضاه وقدره، وخلق فيه القدرة الموجبة لتركه وأغراه بتركه وزين ذلك في قلبه، ثم كلفه ما لا يقدر عليه، فما ذنب هذا المسكين؟ فقال المعتزلي: فلماذا لعنه وعاقبه؟ فقالوا: الملك ملكه، لو عاقب آدم وسائر الأنبياء والأبرار وأثاب فرعون وسائر الكفار كان عدلاَ منه. فقال لهم: بعداَ لكم وسحقاَ مع هذه المقالة! فقصدوه بالنعال فهرب. وعرفتم حقي وحميتم ذماري.