يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا
  يَشْعُرُ بذلك؛ لأنه إذا كَانَ في بَحْثٍ ومُرَاجَعَةٍ ومُطَالَعَةٍ يَغُوصُ بكلٍّ حَوَاسِّهِ بينَ الكُتُبِ، ولا يَشْعُرُ بعدَ ذلك لا بالزَّمَانِ ولا بالمكَانِ ولا بالجُوعِ ولا بالعَطَشِ، وهذا أَمْرٌ عَجِيبٌ لم نَعْهَدْهُ بَيْنَ البَشَرِ.
  ولم يَكُنْ له في الْيَوْمِ سِوَى وَجْبَتَيْنِ، ويَعْمَدُ إلى القُرْصِ من الخُبْزِ فيَقْسِمُهُ أرْبَاعاً ويَأْكُلُ الرُّبُعَ فقط، على قَليلٍ من اللبَنِ وزَيْتِ الزَّيْتُونِ أو نَحْوِ ذلك.
  وقد أَخْبَرَتْنا والِدَتُنا رحمها الله تعالى أنها ذَاتَ مَرَّةٍ وضَعَتْ له الأَكْلَ على مَجْمَرٍ ليَبْقَى الطَّعامُ دَافِئاً، واشْتَغَلَتْ بِنِسَاءٍ زَائِرَاتٍ، ورَجَعَتْ إليه بعد سَاعَةٍ لِتَحُثَّهُ على إِتْمَامِ وَجْبَتِهِ، فرَأَتْهُ قد اشْتَغَلَ بكتَابٍ بينَ يَدَيْهِ، فلما كَرَّرَتْ عليه وحَثَّتْهُ على الأَكْلِ أرَادَ أن يُطَيِّبَ خَاطِرَها، فأَخَذَ قِطْعَةً من الخُبْزِ وَعَيْنُهُ على الكِتَابِ وأَخَذَ يَغْمِسُ الخُبْزَ بين الرَّمادِ في الْمَجْمَرِ ظَانّاً أنه وِعَاءُ الطَّعَامِ، ورَفَعَ اللُّقْمَةَ إلى فَمِهِ، فنبَّهَتْهُ وقالَتْ له: إنَّكَ تَغْمِسُ اللُّقْمَةَ بين الرَّمَادِ!. ولَكِنْ هَذَا دَأْبُهُ إذَا كَانَ الكِتَابُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً
  وَأَخْبَرَتْنا وَالِدَتُنا رَحِمَها اللهُ تَعالى أَنَّها في لَيْلَةِ زَواجِهَا بِالوَالِدِ # قَضَى لَيْلَتَهُ تِلْكَ في تَسْمِيعِ الصَّلاةِ لها، يَتَأَكّدُ مِنْ إِتْقَانها للصَّلاةِ وَمَعْرِفَتِها بِفَرائِضِها وَوَاجِباتِها وَمَسْنُونَاتِها وَمَنْدُوباتِها، وَطَلَبَ مِنْها أنْ تَلْبَسَ مَلابِسَ الصَّلاةِ وَتَضَعَ سِجّادَتها وأنْ تُوَدّي الصَّلاةَ أَمَامَهُ لِيَتَأكّدَ أنها تُحْسِنُ أَدَاءَ صَلاتِها، هَذَا في لَيْلَةِ زَوَاجِهِ بها، ومَا ذَلِكَ إلَّا امْتِثَالاً