العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

المؤلف

صفحة 17 - الجزء 1

  والطغيان، وتتناهبه الدويلات والممالك المتشرذمة. واليمن وهو الجزء الصغير من هذا العالم الإسلامي الواسع ممزق أيضاً، تتنازعه دويلات وقبائل شتى فقد كانت بلاد عدن وأبين وتعز تحت حكم آل زريع، وبلاد ذمار ومخاليفها تحت سلطة مشائخ جُنب، وصنعاء وأعمالها حتى حدود بلاد الأهنوم تحت سلطان علي بن حاتم اليامي الهمداني، وبلاد الجوف وما إليها في يد السلاطين آل الدعام، وصعدة وما إليها في يد الأشراف أحفاد الهادي يحيى بن الحسين، وشهارة وبلادها تحت قبضة أولاد الإمام القاسم العياني، والجريب وما إليه من بلاد الشرف في يد أولاد عمرو بن شرحبيل الحجوري، وتهامة الشامية إلى حدود حرض مع الشريف وهاس بن غانم بن يحيى السليماني، وبلاد زبيد إلى حدود حرض في دولة عبد النبي بن علي بن مهدي الرعيني الحميري، هكذا نشأ الإمام المنصور إلى الثامنة من عمره، وهذه حالة اليمن، ثم جاءت دولة الأيوبيين فقضت على كل هذه الدويلات لتستبدل الجور بالجور، والطغيان بالطغيان، والتسلط بأضعافه وذلك شأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها.

  ذلك هو الواقع السياسي، أما الواقع الفكري والديني فحدث ولا حرج، المجبرة والمشبهة والحشوية في كل زاوية، والباطنية تتمركز في أهم مناطق اليمن وتتحالف مع هذا السلطان أو ذاك، والمطرفية تكاد تسيطر على كل الهجر وتمد قبضتها إلى كل المدارس، وبقايا الأفكار والمذاهب تنجم من هنا وهناك تحت مسميات شتى فيها الحق والباطل، والناس (شذر مذر) كما يقال (اتباع كل ناعق).

  وفي هذا الجو المليء بالمتناقضات نشأ الإمام وقرأ، وخَبِرَ العصر والمصر ورأى ما هاله فانطلق إلى الجهاد في سبيل الله، وكانت دعوته الأولى سنة ٥٨٣ هـ في بلاد الجوف، ومنها انطلق إلى صعدة فتلقاه الأميران العالمان الكبيران عماد الدين يحيى