(أحوال الإسناد الخبري)
  أصل الإنكار؛ بل بالغوا فيه حيث قالوا: {ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا}(١) فنفوا نبوتهم بإثبات البشرية لهم؛ حيث اعتقدوا أن الرسول لا يكون بشرا، فأظهروا به إنكارهم، ثم زادوا في النفي بقولهم {وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ}(٢) ثم بقولهم {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ}(٣) فلا جرم أكد الحكم معهم ثلاث تأكيدات، وفيه بحث؛ لأنه لما تقرر أن الإنكار يستدعي زيادة تأكيد على التردد فلا بد له من تأكيدين، وللزيادة مرتين، لا بد من تأكيدين آخرين، حتى يكون التأكيد بحسب الإنكار، وقد وقع في الآية أربع تأكيدات، إلا أن الكلام مع صاحب المفتاح والمصنف في أنهما كيف تركا في الاستشهاد بكون التأكيد على قدر الإنكار في الآية على وجوب التأكيد بحسب الإنكار التأكيد بالقسم، وهو: {رَبُّنا يَعْلَمُ}(٤) فإنه جعله الزمخشري جاريا مجرى القسم في تأكيد الحكم، ولا ينفع في دفع ما ذكرنا ما كتب الشارح في حاشية شرحه بيانا لنكتة عدم عد القسم من جملة المؤكدات، من أن الكلام في المؤكدات المتصلة بالحكم، والقسم جملة برأسه.
  هذا وقد استصعب نفي رسالتهم بإثبات بشريتهم؛ إذ البشرية تنافي الرسالة من اللّه، لا الرسالة من عند عيسى، والرسل كانوا يدعون الرسالة من عنده لا من عند اللّه.
  ومعنى قولهم (إنا إليكم مرسلون) من عند عيسى - #، وأجاب الشارح المحقق عنه بما استفاده من عبارة الكشاف حيث قال: فدعاهما - أي رسولي عيسى - الملك أي ملك أنطاكية فقال: من أرسلكما؟ قالا: اللّه الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال صفاه وأوجزا، قالا: يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، من أنه كان الرسل دعوهم على وجه ظنوهم أصحاب وحي ورسلا من اللّه، بناء على أن الرسالة من رسول اللّه رسالة من اللّه.
  هذا يعني في وجوب انقياد ما يبلغ، والتصديق له، وأشار بقوله: ولأن
(١) يس: ١٥.
(٢) يس: ١٥.
(٣) يس: ١٦.
(٤) يس: ١٦.