المحسنات المعنوية
تأكيد المدح بما يشبه الذم
  (٢/ ٤٣٥) ومنه: تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ، وهو ضربان:
  أفضلهما: أن يستثنى من صفة ذمّ منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها؛ كقوله [من الطويل]:
  ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب(١)
  أي: إن كان فلول السيف عيبا، فأثبت شيئا منه على تقدير كونه منه، وهو محال، فهو في المعنى تعليق بالمحال، فالتأكيد فيه من جهة أنه كدعوى الشيء ببيّنة، وأنّ الأصل في الاستثناء هو الاتصال؛ فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج شيء ممّا قبلها، فإذا وليها صفة مدح، جاء التأكيد.
  (٢/ ٤٣٨) والثاني: أن يثبت لشيء صفة مدح، ويعقّب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى له؛ نحو: «أنا أفصح العرب بيد أنّى من قريش»(٢) وأصل الاستثناء فيه - أيضا - أن يكون متصلا كالضّرب الأوّل؛ لكنّه لم يقدّر متصلا؛ فلا يفيد التأكيد إلا من الوجه الثاني؛ ولهذا كان الأول أفضل.
  (٢/ ٤٤٠) ومنه ضرب آخر؛ وهو نحو: {وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا}(٣) والاستدراك في هذا الباب كالاستثناء؛ كما في قوله(٤) [من الطويل]:
  هو البدر إلّا أنّه البحر زاخرا ... سوى أنّه الضّرغام لكنّه الوبل
(١) البيت للنابغة الذبياني، ديوانه ص ٤٤، والإشارات ص ١١١، والتبيان للطيبي، والمصباح ص ٢٣٩.
(٢) أورده العجلوني بنحوه في كشف الخفاء وقال: قال في اللآلئ: معناه صحيح، وانظر كشف الخفاء للعجلوني (١/ ٢٠٠، ٢٠١).
(٣) الأعراف: ١٢٦.
(٤) البيت لبديع الزمان الهمذاني يمدح خلف بن أحمد الصفار، أمير سجستان وكرمان، وأورده الرازي في نهاية الإيجاز ص ٢٩٣.