(أحوال الإسناد الخبري)
  سناهما القمرا. ([يزيدك وجهه حسنا.. إذا ما زدته نظرا] أي يزيدك اللّه حسنا في وجهه) جعل وجهه مائدة تنال منه ألوان نعم الحسن اللذيذة، يزيد اللّه كلما نظرت في هذه المائدة لونا من النعمة تلتذ به. وما يقال المفعول الثاني في يزيد بحيث أن يصح إضافته إلى الأول كما في زاده مرضا أي زاد مرضه، وهاهنا لا يصح؛ إذ لا يصح يزيد اللّه حسنك في وجهه، فلا بد من جعل يزيد بمعنى يظهر، أي يظهر لك اللّه حسنا في وجهه قد اندفع بما ذكرناه إذ يزيد اللّه حسنك في وجهه بمنزلة يزيد اللّه نعمتك في مائدة وجهه، فبهذه الملاحظة يحسن إضافة الحسن إلى المخاطب. على أن جعل يزيد بمعنى يظهر فاسد؛ لأنه ليس متعديا إلى مفعولين، وقد صرح بترجيح وجهه في أول البيت، وأشار إشارة لطيفة في آخره إلى الترجيح؛ فإن القمر إذا أزدت النظر فيه ترى فيه أشياء غير مستحسنة، كالخدش، وفيه مع ذلك إشارة إلى أنه على خلاف الأشياء؛ فإن الأشياء إذا تكررت فتر الرغبة فيه، ونقص حسنها؛ بل ربما يكره. اعلم أن عندي نظم المجاز العقلي في سلك الكناية بأن تجعل أنبت الربيع لإثبات الإنبات للربيع، وجعل الربيع فاعلا؛ لينتقل منه إلى المبالغة في ظرفية الربيع للإنبات، ودعوى كمال مدخليته فيه، وكذا تريد بقوله بني الأمير إثبات البناء للأمير، لينتقل منه إلى كثرة مدخليته في البناء، حتى كأنه الفاعل، فإن قلت: كيف يصح منك إثبات الإنبات للربيع ولا إنبات له؟! فالحق أن يجعل مجازا مرسلا لامتناع إرادة المعنى الحقيقي؟ قلت: صح إثباته له عند الوهم، فكأنه قيل: أنبت الربيع في وهمي، وكونه مبنيا في الوهم يلزمه كثرة المدخلية في الإثبات.
  (وأنكره السكاكي) أي أنكر المجاز العقلي، وقال: ليس في كلام العرب مجاز عقلي، ولا خفاء في أن ما ذكره ليس إلا احتمال أمثلة المجاز العقلي للاستعارة بالكناية، وبذلك لا يتم نفيه، حتى لو تم لتم نفي الاستعارة بالكناية أيضا في تلك الأمثلة، باحتمال المجاز العقلي، فيكون كل منهما منكرا في تلك الأمثلة ونحوها، ويكون الثابت أحد الأمرين، والداعي له إليه أنه تقلل الانتشار، ويجعل اعتبارات البلغاء أقرب إلى الضبط، وعورض بأن هذا الاعتبار يوجب لشبيه الربيع بالقادر المختار، وادعى أنه عينه، وهو ركيك جدّا، بخلاف المجاز العقلي، فإن فيه تشبيه ملابسة الربيع بالإنبات بملابسة الفاعل الحقيقي، وبأن