أحوال المسند إليه
  يخلق نوع منحصر في شخص من شخص من الماء فلذا لم يلتفت المصنف في الإيضاح إلى هذين الاحتمالين، واكتفى بالاحتمالين الأولين وأورد على الاحتمالين آدم وحواء وعيسى $ والغراب والفأرة والعقرب. ويمكن منع عدم خلقهم وعدم خلقها من النطفة إذ لم يقم دليل على بطلانه حتى يؤوّل له النظم.
  نعم لا ينبغي أن يفسر الماء بنطفة الأب أو الأبوين، وأورد على الاحتمال الثاني خصوصا البغل فإنه خلق من نوعي نطفة، ويدفعه أن ليس النوع هو النوع الحقيقي بل أخص من النطفة، فالنطفة الممتزجة من نطفتى الحمار والفرس نوع من النطفة، ولصاحب المفتاح تفسير آخر لماء وهو نوع الماء يعنى: النطفة إذ هي نوع من الماء ولم يلتفت إليه المصنف؛ لأنه خلاف سوق النظم؛ لأن الظاهر تخصيص كل دابة بماء، ورد كون التنكير في الآية للإفراد بأن تفصيل الدابة بالأنواع حيث قال: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ}(١) الآية لا يلائم إرادة الفرد وللتعظيم نحو: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}(٢) حيث أوثر على بحرب اللّه ورسوله، ويحتمل النوعية أي: نوع حرب غير متعارف وهو حرب جند الغيب لا يدرك حربهم حتى يدفع ضره (وللتحقير) قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا}(٣) أي: لا نظن بالساعة إلا ظنا ضعيفا لا اعتداد به؛ ولهذا صح الاستثناء ولم يلزم استثناء الشئ عن نفسه، وهذا من مزالق النحاة حيث خرجوا في دفع الإشكال عن مقتضى اللفظ والمعنى، فتارة يجعلون إن ضربت إلا ضربا بمعنى إن أنا إلا ضربت ضربا ويقولون: في التركيب تقديم وتأخير وتارة يقولون: لم يقصد بالضرب إلا مطلق الفعل، كأنه قيل: ما فعلت إلا ضربا، ولا يخفى أن اللفظ بعيد عن هذا الحمل غاية البعد وأن المعنى على حصر الضرب في نوع منه لا على حصر الفعل في الضرب، على أنه لا يصح في: إن ضربت زيدا ضربا جعله في تقدير إن فعلت زيدا إلا ضربا، فليس ترجيح هذا التوجيه على ما ذكروه لمجرد أنه مغن عن تكلف فيما ذكروه كما يدل عليه كلام الشارح؛ بل لأن توجيههم فاسد والأنجع للنحاة حذف الصفة في أمثاله فيكون التقدير ما ضربت إلا ضربا حقيرا أو عظيما
(١) النور: ٤٥.
(٢) البقرة: ٢٧٩.
(٣) الجاثية: ٣٢.