[وصية أمير المؤمنين لولده الحسن @]
  وَإِيَّاكَ وَمُقَارَبَةَ مَنْ تَرْهَبُهُ عَلَى دِينِكَ وَعِرْضِكَ، تَبَاعَدْ مِنَ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ، وَلَا تَأْمَنْ خِدَعَ الشَّيْطَانِ فَتَقُولُ: مَتَى أَنْكَرْتُ [أَوْ عَلِمْتُ أَوْ تَشَفَّعْتُ أُجِرْتُ] فَإِنَّهُ هَكَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، إِنَّ أَهْلَ الْقِبْلَةِ أَيْقَنُوا بِالْمَعَادِ، وَلَوْ سُمْتَ أَحَدَهُمْ بَيْعَ آخِرَتِهِ بِدُنْيَاهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَمْ يَطِبْ بِذَلِكَ نَفْساً، ثُمَّ قَدْ يَخْتُلُهُ الشَّيْطانُ بِخِدَعِهِ وَمَكْرِهِ حَتَّى يُوَرِّطَهُ فِي هَلَكَتِهِ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسِيرٍ حَقِيرٍ، وَيَنْقُلَهُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى يُؤْيِسَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى فَيَجِدُ الرَّاحَةَ إِلَى مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ وَأَحْكَامَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ إِلَّا حُبَّ الدُّنْيَا وَقُرْبَ السَّلَاطِينِ وَخَالَفَتْكَ عَمَّا فِيهِ رُشْدُكَ فَأَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ فَإِنَّهُ لَا تُقْيَةَ لِلْمُلُوكِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَخْبَارِهِمْ وَلَا تَنْطِقْ بِأَسْرَارِهِمْ وَلَا تَدْخُلْ فَيمَا بَيْنَهُمْ، وَفِي الصَّمْتِ سَلَامَةٌ مِنَ النَّدَامَةِ، وَتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ، وَاحْفَظْ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ، وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ، وَلَا تُحَدِّثَنَّ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَتَكُونَ كَذَّاباً، وَالْكَذِبُ ذُلٌّ، وَحُسْنُ التَّدْبِيرِ مَعَ الْكَفَافِ أَكْفَى لَكَ مِنَ الْكَثِيرِ مَعَ الْإِسْرَافِ، وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى لِئَامِ النَّاسِ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ، وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ، وَرُبَّ سَاعٍِ فِيمَا يَضُرُّهُ!
  مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ، خَيْرُ حَظِّ الْمَرْءِ قَرِينٌ صَالِحٌ، قَارِنْ أهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ، لَا يَغْلِبَنَّ عَلَيْكَ سُوءُ الظَّنِّ، بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ! وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ، الفَاحِشَةُ كَاسْمِهَا، التَّصَبُّرُ عَلَى الْمَكْرُوهِ يَعْصِمُ الْقَلْبَ، رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً، وَالدَّاءُ دَوَاءً، [إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً] سَوْفَ يَأْتيِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ، وَرُبَّ يَسِير أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ! سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ، رُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ، وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ.