الفصل الرابع الشاهد والواقع الحضاري
  ه - العباسي متنوع الثقافة ذو دعائم معرفية متنوعة منها كتب النحو والصرف واللغة والتاريخ، فهل انعكست هذه الدعائم في شواهده؟
  لعل كتاب المعاهد جميعه يثبت انعكاس هذه الورود المعرفية في جنان معاهد العباسي، فالعباسي عند ذكر الشاهد يجعله مجالا لعلم اللغة وجانبا لعلم العروض والنحو والتاريخ والأدب.
  فالشاهد البلاغي يقدم للدارس معلومة في اللغة وأخرى في فنون متنوعة تبرز طالما كانت الحاجة لها، فمنذ بداية التقديم للشاهد يذكر العباسي وزنه العروضي ثم يذكر هذا الشاهد ويبدأ بعرض المعنى المعجمي لبعض ألفاظه ويعطي معلومة نحوية أو أدبية في سياق تفسيره له، والأمثلة كثيرة أورد منها: «فاني وقيار بها لغريب».
  قائله ضابئ بن الحارث البرجمي وهو من قصيدة من الطويل ...
  ومعنى البيت: التحسر على الغربة، والرحل: السكن وما يستصحبه من الأثاث، وقيّار: جمل ضابئ أو فرسه. والشاهد فيه:
  ترك المسند وهو غريب «- والمعنى: أني لغريب وقيّار أيضا - لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث في الظاهر مع ضيق المقام بسبب التحسر ومحافظة الوزن. ولا يجوز أن يكون «غريب» خبرا عنهما بانفراده، لامتناع العطف على محل اسم إن قبل مضي الخبر، وقيّار:
  مرفوع أما عطفا على محل اسم أن، أو بالابتداء والمحذوف خبره، والسر في تقديم «قيّار» على خبر أنّ قصد التسوية بينهما في التحسر على الاغتراب، كأنه أثّر في غير ذوي العقول أيضا، إذ لو أخّر لجاز أن يتوهم مزيته عليه في التأثر عن الغربة، لأن ثبوت الحكم أو