الفصل الرابع الشاهد والواقع الحضاري
  نعم لقد كشّف عن ساعده فكان ثمرة هذه السواعد بحرا من الثقافة، استطاع الأخذ من تراث الأجداد العلمي ليجني ثمره ما يزيد عن ثلاثمائة مصدر ومرجع تتراوح بين ديوان شعر وكتاب بلاغة ونقد أو كتاب أدب وترجمة وتاريخ ولغة، ويضع هذه الثمرة بين دفتي كتاب استحق أن يحمل اسم «معاهد التنصيص»، وهكذا استطاعت هذه الشواهد أن تبرز بجلاء ملامح هذا المخزون العلمي الهائل لعقلية العباسي واستطاعت بحق أن تعكس ما كان يصبوا إليه العباسي في مقدمته التأليفية فكان يسير في خطى تأليفية واضحة جعلته متمكنا من آرائه التي قدمها واثقا من عباراته التي عرضها في سياق وصفه لكتابه قبل أن يعرض محتواه ليترك مجالا للدارس بتأييد هذا الرأي قبل أن يبحر في مياه ثقافته الواسعة التي سخرها واستعملها خير استعمال فنراه يقول واصفا مؤلفه: «فجاء بحمد اللّه غريب الابتداع، عجيب ألافتراع، بديع الترتيب، رائع التركيب، مفردا في فن الأدب، كفيلا لمن تأمله بالعجب ... على أنه لا يخلو من فائدة فريدة، ونكته عن مواطنها شريدة، ودرة مستخرجة من قاع البحور، وشذرة تزين بها قلائد النحور وعجائب تحل لها الحبا ...
  ومن تأمله بعين الإنصاف والرضى شهد بصدق هذا الوصف وبصحته قضى»(١).
  وبذلك نرى المؤلف يطلب من القارئ الإنصاف في نظرته ليستطيع استخراج درره المستخرجة من قاع البحور التي خاضها العباسي
(١) معاهد التنصيص ١: ٣.