هيئة التائب
  اليقين، ويبكي ويستكين، يكثر الصوم، ويقل النوم. فهو مشفق من عصيانه، مطرق بين إخوانه، ظاهرٌ خشوعه، متبادر دموعه، منقطع كلامه، قليل منامه، دائم كربه، مستهام قلبه، يسيرٌ أكله، كثير شغله، صحيح قوله، لا ينقض عهده، ولا يخلف وعده، ولا يمنع رفده، يطلب خلاصه، ويعرف انتقاصه، إن طلبته وجدته في فكرته، وإن سألته خاطبك بعبرته، لا تسكن حرقته، ولا تزول رقته، ولا تكف دمعته.
  من رآه انتبه من غفلته، ومن جالسه تاب من زلته، فهو حقير عند نفسه، غريب في أهل جنسه، كريم على ربه، نادم على ذنبه، ملتمس لما به، طامع في ثواب ربه، رافض لأسبابه، باكي على شبابه، كثير الوجع، عظيم الفزع، متين الورع، ظاهر خشوعه، غزيرة دموعه، صادق رجوعه، معتبرٌ مفكرٌ، شاكرٌ ذاكرٌ، خجلٌ، وجلٌ، واجدٌ، ساجد، تضيق به البلاد، ويسأم من صحبته العباد، ينتظر المعاد، ويطلب تحقيق الوداد، جهده شديد، وعمله كل يوم يزيد، وحزنه في كل نَفَس جديد، يتجرع الغصص، ولا يطلب الرخص، دائم الطلب، ملازم الكُرب، مواظب على التعب، رافض للطّرب، ظاهر الحزن والنَّصَب، ضيق الأوقات، مغتنم الساعات، قليل الالتفات، حذر من كل الجهات، ماله هدوء ولا سكون، خائف غير أمون، وجِلٌ محزون، كأنه مقيد مسجون، لونه أصفر من خدمة الرحمن، ونفسه ذائبة من خوف الهجران، نحيف البدن، خفيف المؤن، سقيم الأركان، سليم الجَنان، مستقيم اللسان، حريص على طلب الجِنان، لا تصده العوائق، ولا يُبالي بالخلائق، منقطع من العلائق، متمسك بالحقائق، فهو في الطلب حتى ينجو من التعب.
  يا أخي كيف نصنع بالنفس حتى ترجع عن شر عادتها؟
  إن النفس لا ترجع عن شرِّ عادتها أبداً، وليس منها إقلاع ولا رجوع، إلا بالقهر والغلبة والجهد والتضرع، فبالعلم والمعرفة والزهد تحبس النفس عن شر