الذكرى خاصة لمن يخشى، والإنذار لمن يخاف الله
  قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٧٤}[البقرة].
  هذا مثال من أمثلة القلوب القاسية، فبعد أن ذكر الله تعالى ما من شأنه أن يزرع الخشية في قلوب بني إسرائيل، ختم ذلك بقوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} قست فكانت كالحجارة، بل أشد قسوة منها؛ لأن هذه القلوب مجدبة عن كل خير، والمخلوقات الأخرى مثل الحجارة قد يكون فيها بعض النفع.
  إنها قلوب قاسية متوحشة، ومتعطشة للدماء المحرمة، يقول الله تعالى ضارباً للأمثال لمن هو عديم الخشية والخوف: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ٢١}[الحشر].
الذكرى خاصة لمن يخشى، والإنذار لمن يخاف الله
  والله سبحانه وتعالى يحصر إنذار رسوله لمن يخشاه ويخافه، قال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ١٨}[فاطر].
  فلن يستفيد من الإنذار إلا الذين يخافون ربهم ويخشونه.
  يقول تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١}[يس].
  وفي سورة (الأعلى) يؤكد ذلك أيضاً بقوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ١٠}، ويقول تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥}[ق].
  ولقد جعل الله تعالى المقياس الصحيح للخوف والخشية، هو مراقبته تعالى في كل حال وفي كل زمان، فالله سبحانه وتعالى في الآية هذه وضّح أن الجم الغفير من البشر يركز على المظاهر، فتأمل قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا