دروس رمضانية،

علي بن أحسن الحمزي (معاصر)

علاج هذا المرض

صفحة 123 - الجزء 1

  فالكبر عقدة نفسية لها جذورها، ولن يحلها إلا التواضع، فما هو التواضع؟ ولمن نتواضع؟

  التواضع ليس علماً يقرأ، ولا نظرية تحفظ، ولا محاضرة تلقى، إنما التواضع فن وسلوك، يحتاج الإنسان إلى التدرب عليه، حتى يصبح ملكةً له، ويصبح جزءاً من تصرفاته الطبيعية.

  التواضع هو التذلل، ولكن يجب أن يكون في محله، وأن نكون أذكياء في استعماله، فالتواضع يكون أولاً لله سبحانه وتعالى؛ لأنه ربنا ومالكنا والمنعم المتفضل علينا، ونحن عبيده المحتاجون إليه في كل لحظة، ولن نعبده حق العبادة إلا بالتواضع لعظمته، والخضوع لسلطانه، وتنفيذ جميع أوامره، والانتهاء عند نواهيه.

  ثانياً: التواضع لأولياء الله المؤمنين، فقد وصف الله الذين يحبهم ويحبونه بأنهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}⁣[المائدة: ٥٤] وعن أمير المؤمنين #، قال: أوحى الله إلى موسى بن عمران: «أتدري لما اصطفيتك وكلمتك تكليما»؟ قال: لم يا رب، قال: «لأني اطلعت على قلوب عبادي فلم أجدْ فيهم أشدّ تواضعاً لي منك».

  والتواضع لله ولأوليائه يكسب الإنسان عزّة ورفعة في المقابل، ولهذا جاء في الأثر «من تواضع لله رفعه» كما أن التكبر يورث الإنسان ذلة وحقارة «ومن تكبر على الله وضعه»⁣(⁣١).

  فكلما ازداد المؤمن تواضعاً ازداد رفعة وقداسة عند الناس، وكبُر في أعينهم، ونال منهم التقدير والاحترام، غير أن هذا مدخل خطير للشيطان لا بد من التنبه له، فقد يتعرّض الإنسان لضغوط شديدة من قبل نفسه، حيث تأتي دواعي الكبر، وحب الظهور عندما يرى التقديس والاحترام الزائد من قبل الناس، فيعتقد أنه أهل لذلك، ومن حقه


(١) قال رسول الله ÷: «من يتواضع لله سبحانه درجةً رفعه الله به درجةً، ومن يتكبّر على الله درجةً يضعه اللهُ به درجةً حتى يجعله في أسفل سافلين». انظر: سنن ابن ماجه برقم (٤١٦٦) كتاب الزهد، ومسند أحمد برقم (١١٢٩٩) كتاب باقي مسند المكثرين.