الدرس الثاني الموعظة الثانية
  مؤيدي بالنصر على أعدائي، ولولا نصرك لكنت من المغلوبين، ويا مرسل الرحمة من معادنها، ويا ناشر البركة من مواضعها، ويا من خص نفسه بشموخ الرفعة، فأوليائه بعزه يتعززون، ويا من وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقهم من سطواته خائفون.
  أسألك باسمك الذي شقَقَته من كينونتك، وأسألك بكينونتك التي شققتها من عظمتك، وأسألك بعظمتك التي شققتها من كبريائك، وأسألك بكبريائك التي شققتها من عزتك، وأسألك بعزتك التي شققتها من اسمك الذي هو في الحجاب عندك، فلم يطّلع عليه حجابك ولا عرشك، وخلقت به خلقك فكلهم لك مذعنون.
  أسألك أن تصلي وتسلم على سيدنا محمد وآله، وارزقني حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك.
  نستهدي الله الهدى، ونعوذ به من الضلالة والردى، فكم من ضال مغتر؟! ورَدٍ مدمر، قد غَر حياته بالأمل والمنى، وهو يرى في كل حين الموت والفناء، يتمنى من بقائه كثيرا، وقد رأى من أُخذ غريرا، مما لا يحصيه بعدٍّ، ولو جهد كل جهد، فكم رأى في غرته من مأخوذ! وميت بالعراء منبوذ! يتخالس الطير لحمه تخالسا، وتتناهشه سباع الوحش تناهشاً، وكم سمع به من ملقًى في بحر من البحور للموت؟ يأكل لحمه من ملقى من البحر ما قاربه من حوت، وكم رأى في الثراء من ملحود؟ متناثرة أوصاله وعظامه، وقد نسيه بعد الذكر أهلوه! وقطعه بعد مودته مواصلوه، فأغفلوا ذكره فلا يذكرونه إلا قليلا، وكلهم فقد كان له أهلا وخليلا، فكأن لم يروه قط حيا في الأحياء معهم! ولم ينالوا منه ومن كدِّه عليهم ما نفعهم!
  فيا ويل من سقط هذا عن ضمير قلبه! وأصر مقيما على الخطيئة بعد علمه به! كيف خسر دينه ودنياه؟! وآثر ضلالته في الحياة على هداه؟! فهلك هلاك الأبد