الدرس الثاني الموعظة الثانية
  وقد رأى في حياته منجاه، ودُل فيها على نجاته ورداه.
  فنعوذ بالله لنا ولك من العماية عن الهدى، ونعتصم بالله لنا ولك من الهلكة والردى، فكم من مهديٍّ لقصده ورشده قد ضل بعد هدايته عن قصده! وكم من مستمع ومبصر لا يسمع ولا يرى؟! كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ١٩٨}[الأعراف]. وقال سبحانه: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ١٨}[البقرة].
  يا أُخيَّ اعلم أن الأجل حثيث الفناء، ليس لأحد معه بقاء، ولا يقف من أهله على من استوقفه، ولا يغفل لمحاذرة سرعة انقطاعه مَن عرفه، وكيف يغفله عارف به، أو موقن بمعاده إلى ربه؟! مع ما يرى من مَرِّهِ وحثه، وقلة تعريجه ولبثه، فهو دائب الحث، غير ذي إبطاء ولا لبث، يقطع منه ساعاتِه الليالي والأيام، ويقطع أيامه ولياليه منه الشهور التَّوآم، وكذلك جعل الله شهوره، تقطع بمرها سنينه ودهوره، فدهره قصير، وعمره يسير، لا يطرف أحد من أهله طرفا، إلا اقترب من فناء مدته زلفا، فأنفاسه ولحظاته تطويه، وساعاته وأوقاته تفنيه، يقظان كان أو نائما، ومقيما كان أو ظاعنا.
  فواعجبا لمن كان بهذا موقنا! بل لمن ظنه وإن لم يوقن به ظنا! كيف لعب ولها؟! فانظر إلى ما قال الله سبحانه: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ٤ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ٥ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ٦}[المطففين].
  يا أُخيَّ فلا تغفل عن الموت والبعث كما يفعله الغافلون، فإنهم بغفلتهم بَعُدوا من النجاة والفوز والحبور، فعموا عما كان ممكنا في حياتهم من الهدى والرشاد، وشقوا فدام شقاؤهم، وأقام ندمهم وخسارتهم، ثم بكوا فلم يُرحموا، ودعوا فلم يجابوا في الدعاء {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وقال مالك بعد السنين الطوال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ٧٧}[الزخرف].
  فاتقوا الله، عباد الله، فيما تَقدَّم إليكم، واحتج به عليكم، من قبل اللهف